بقلم : أسامة آغي – خاص بالموقع

التقى الدكتور نصر الحريري عبر جلسة على السكايب بتاريخ 29/5/2019 مع مجموعة من أعضاء اتحاد الديمقراطيين السوريين، تحدّث فيها الحريري عن آخر مستجدات ساحة الصراع السوري، وعن مجمل عمل هيئة التفاوض الممثلة للثورة والمعارضة السورية والتي يرأسها. وحمل حديث الحريري توصيفاً واقعياً للأحداث والتعقيدات التي تحيط بالحل السياسي وإمكانية حدوثه. حيث قال الحريري : ” أن معارك إدلب لا تزال بين مدٍ وجزرٍ، وأن ثمة تقارباً بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، وثمة توترات تركية روسية، وأخرى إيرانية روسية.
ويتبين من حديث السيد نصر الحريري أن الروس والنظام الأسدي يرفضان الانخراط في مناقشة وحلّ موضوع المعتقلين، وكذلك عرقلة تشكيل اللجنة الدستورية. فالروس يتعكّزون على القواعد الاجرائية أو على الأسماء الستة، وهم يفعلون ذلك تهرّباً من استحقاقات القرار 2254، لأنهم يدركون أن اللجنة الدستورية التي تطرح صيغتها الأمم المتحدة هي لجنة لا تناسب الرؤية الروسية لحلّ الصراع في سوريا. فهم يعتقدون أنّ الحل يتمّ عبر المصالحات وليس عبر عملية انتقال سياسي حدّدتها القرارات الدولية ذات العلاقة بالصراع السوري.
يرى الروس أن اللجنة الدستورية يجب أن يشكلها رأس النظام بشار الأسد، وأن تتمّ المحافظة على دستور عام 2012، ويمكن القبول ببعض التعديلات عليه كحدٍ أقصى.
معارك إدلب قد تفسّر انزعاج الروس والنظام الأسدي من فقدانهما السيطرة على وضع اللجنة الدستورية، وهي تبيّن من زاوية أخرى أن العلاقات العسكرية والسياسية التركية الروسية هي علاقات ذات طابع تكتيكي. وأنّ مساحة الاختلاف بين الأتراك والروس هي مساحة أكبر من مساحة الاتفاق بينهما. وهذا الأمر يضع الروس في خانة جديدة. فبعد أربع سنوات تقريباً من التدخل الروسي في سوريا، يجد الروس أنفسهم أمام استحقاقات صعبة، تخصّ رؤيتهم السياسية لحل الصراع السوري. الروس كانوا يريدون إعادة انتاج النظام وفق شروط جديدة، تأخذ طابعاً تزييناً، لكنهم اكتشفوا أن ورقة الصراع السوري لم تعد ممسوكةً كلياً بأيديهم، فالأمريكيون وحلفهم والأتراك وحلفهم السوري في إدلب وشمال حلب وشمال شرق سوريا يحوزون على 43% من مساحة سوريا، وبالتالي هذا ما يعطّل حلمهم الذي كانوا يعملون من أجله طيلة أربع سنوات.
يدرك الروس أن الأتراك لن يقبلوا بحصول حسمٍ عسكري لمصلحة النظام في شمال حماة وفي إدلب ,في شمال حلب. وأنهم أي الأتراك يريدون انتقالاً سياسياً للسلطة في دمشق.
إذاً يمكن القول أن مساحة الاختلاف الروسي التركي صار أكبر، حيث قال الأتراك : “نحن نقاتل عن إدلب كما نقاتل عن أضنة”. وهذا يعني رفض الأتراك أن يضع النظام الأسدي وحلفاؤه اليد على إدلب وشمال حماة قبل الاتفاق النهائي على حلٍ سياسي يوقف الحرب ويضمن انتقالاً سياسياً في سوريا. إن وضع النظام الأسدي يده على مناطق المعارضة يعني موجة نزوح كبرى نحو تركيا وأوربا، وهذا لا تسمح به الجهتان المعنيتان.
ويبقى السؤال : كيف يمكن وقف الحرب في إدلب؟ وهل الأمم المتحدة تستطيع فعل ذلك، أم أن الأمر يعود إلى موقف منتظر من الأمريكيين حيال ما يحدث في إدلب؟. ولكن من الأهمية التذكير بأن الوجود التركي في إدلب وشمال حلب والوجود الأمريكي في الشمال الشرقي من سوريا أنهيا الحلم الروسي.
الروس لا يزالون يريدون الابتعاد وعدم رؤية وجود طرفي صراع في سوريا هما (النظام والمعارضة)، ويشدّدون على وجود النظام فحسب، وهذا لا يمكن اعتباره إلّا عمىً في السياسة الروسية المبنية على الصلف وادعاء القوة الغاشمة. وهو يكشف عن ضحالة الرؤية الاستراتيجية لدى الروس، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار تغيّر البنى المجتمعية السورية على كافة الأصعدة. الروس عملياً يريدون تثبيت الواقع عند مربع تحكّم النظام الأسدي، والذي بات معرقلاً للتطور في البلاد. إذاً الروس يعملون ليس على أساس إيجاد حلٍ سياسي حقيقي، بل يعملون على فرض رؤيتهم غير الواقعية حيال الصراع الدامي في سوريا منذ ثمانية أعوام ونيّف.
لم يتوقع الروس أن يقف الأتراك من الصراع على إدلب موقف الرافض لسياساتهم ومحاولاتهم السيطرة على هذه المناطق، وهو الأمر الذي يفسّر جنونهم الوحشي بعمليات قصفهم للمدنيين العزّل في هذه المناطق. ويبقى السؤال مطروحاً: هل يستطيع الروس الاحتفاظ بالورقة السورية كورقة مساومة مع الغرب وإلى متى؟. نعتقد أن الجواب على هذا السؤال يأخذ تفصيلاته بصورة أوضح مع كلّ ازدياد في التقارب الأمريكي التركي. وبالتالي فهذا التقارب هم من يجعل اليد الروسية تحترق بجمر ورقة الصراع السوري. ولعلّ ذلك يكون مدخلاً حقيقياً لاستنزاف روسيا من خلال إدلب، التي لن يسمح الأتراك بهيمنة النظام وحلفائه الإيرانيين عليها. مما يجعل أوضاع الحلف (الروسي والنظام وإيران) على كفّ عفريت، وهو الأمر الذي تخشاه موسكو، ولكنها قطعت أشواطاً كبرى في ابتلاع سكينه. فهل يرضى الروس بنصف حلٍ لمصلحتهم ويتخلون عن نظامٍ راهنوا عليه كثيراً، واكتشفوا أن رهاناتهم خاسرة، وقد تؤدي بهم إلى هاوية جديدة تشبه هاوية أفغانستان التي سقطوا فيها في نهاية سبعينيات القرن العشرين، وأدى سقوطهم إلى تفكك الاتحاد السوفياتي آنذاك؟.
هل سيدرك الروس متأخرين لعبة الاستنزاف الجارية بحقهم في إدلب وحماة أم أن عيني بوتين ولافروف لا تريان أبعد من أنفهما؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *