بقلم : أسامة آغي – خاص بالموقع

أتى استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء بمثابة دعوةٍ للحرب في هذا البلد. فالحوثيون الذين يُعتبرون تمثيلاً سياسياً للطائفة الزيدية، التي تشكّل نسبة 30% من عدد سكان اليمن، قفزوا إلى صنعاء واستولوا عليها بقوة السلاح، لفرض صيغةٍ سياسية تخدم الدولة الإيرانية، التي يُحسبُ الزيديون عليها طائفياً. استيلاء الحوثيين على العاصمة اليمنية دقّ نواقيس الخطر في دول مجلس التعاون العربي، وتحديداً في السعودية والإمارات العربية وقطر. فالأمر لم يعد شأناً يمنياً داخلياً فحسب، بل صار يتعلق بإعادة انتاج صيغة حكم سياسي خارج نطاق النظام الذي أرساه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، من خلال هيمنة الحوثيين على اليمن، وربط هذا البلد بعجلة السياسة الإيرانية. ولهذا يمكن قراءة ما فعله الحوثيون على أنه أمر يندرج ضمن سياسة التوسع والهيمنة الإيرانية في المنطقة، سيما وأن عواصم عربية عدّة صارت تدور في فلك المشروع السياسي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
المشروع الإيراني يقتضي أمرين أساسيين، أولهما الاستفادة من الخلخلة في النسيج المجتمعي العربي، الذي لم تتطور بناه إلى مرحلة الانتماء إلى المواطنة، بدلاً من انتمائها الحالي والمستمر لبنىً ما قبل وطنية، كالبنى الطائفية والدينية والقبلية. هذه الخلخلة بدأت تتضح مع قفز الخميني إلى السلطة في طهران عام 1979م. والمتمثلة بمغازلة الفئات الشيعية العربية في البلدان التي يتواجدون فيها، وتشجيع هذه الفئات من منطلق طائفي ديني على لعب دور سياسي لمصلحة “تصدير الثورة” الإيرانية. والمقصود هنا تشييع مناطق الجوار العربي، لتتحول هذه المناطق إلى تابعيات دينية، تخضع لسلطة ما يسمى “مرشد الثورة”. وهو التعبير السياسي للسلطة الثيوقراطية، التي يمثلها النظام الديني الإيراني، والذي يحلم ببناء امبراطورية فارسية جديدة.
قفزُ الحوثيين إلى السلطة في صنعاء، أعطى إشارات خطرٍ حقيقية في دول الخليج العربي، وتحديداً في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، فتداعت هذه الدول لتشكّل ما أسمته عمليات “عاصفة الحزم”، والتي تعني التدخل العسكري الخليجي من أجل مساعدة السلطة الشرعية اليمنية في فرض حكمها على البلاد. ولكن هذا التدخل حمل معه التباينات والتناقضات السياسية بين أعضائه. حيث اضطرت دولة قطر إلى سحب مشاركتها العسكرية ضد الحوثيين، بحجة أن القطريين كانوا يخدمون مشروعهم السياسي المتمثل بالتعاون مع حركة الاصلاح، التي تعتبر ضمن الفضاء الايديولوجي والسياسي لحركة الإخوان المسلمين الدولية، والتي تعاديها الدولتان السعودية والإماراتية.
خروج قطر من العمليات العسكرية دفع حكومة السعودية وحكومة الإمارات إلى تغيير تسمية العمليات العسكرية، حيث استبدلا مصطلح “عاصفة الحزم” بمصطلح “إعادة الأمل.
ولكن ينبغي النظر بجديةٍ إلى صيرورة هذه الحرب بعد مرور أكثر من أربع سنوات على قيامها. فالمناطق التي تمّ تحريرها لم تسلّم لسلطة الرئيس الشرعي عبد منصور هادي، بل تمّ تشكيل ميليشيات قبلية ارتبطت بقوات “التحالف العربي”، أي بالسياسة السعودية والإماراتية، وهذا ليس في مصلحة استعادة الشرعية للسلطة في بلدها، وكذلك ليس بمصلحة منع اختطاف الدولة اليمنية لمصلحة التوسع والهيمنة الإيرانيين. وليس في مصلحة الدولتين السعودية والإماراتية.
هذه الرؤية تكشف عن ضرورات حاسمة، تحتاج إلى إجراءات على الأرض بالمعنى السياسي والعسكري والاعلامي. فالمشروع الإيراني الذي اجتاح بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، سيشكّل طوقاً عسكرياً وأمنياً ضدّ دول مجلس التعاون الخليجي، بغية تحريك المخالب الإيرانية الداخلية في هذه البلدان، لإسقاط حكوماتها، ومن ثمّ السيطرة عليها.
إنّ الدولتين المنخرطتين بعمليات “إعادة الأمل” تحتاجان إلى مراجعة سياسية نقدية جادة، تخصّ نتائج تدخلهما في اليمن داخلياً وإقليمياً. وهما بحاجة إلى إعادة تعزيز دور القوى الوطنية اليمنية، وإلى تقوية نفوذ الشرعية اليمنية، والتي تشكّل سياجاً فعّالاً ضمن جغرافية اليمن ضد محاولات الهيمنة الإيرانية على هذا البلد. المراجعة تتطلب شفافية عالية، تتمثل بضرورة تحديد أولويات المواجهة مع إيران واستراتيجية هذه المواجهة. المراجعة تمنع وضع التهديدات الإيرانية ضدّ العرب عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً على الكتف الأمريكي أو الكتف الغربي. بمعنىً آخر تحتاج المواجهة المرتقبة مع إيران في اليمن ودول الإقليم العربية الأخرى إلى سياسة تحفيزٍ للقوى الوطنية العربية للالتفاف حول رؤية استراتيجية تتمثل بالتصدي لمشروع الهيمنة الإيراني من جهة، وهذا يحتاج إلى وضع مشروع تنمية اقتصادية اجتماعية سياسية، يشكّل عربة جرٍ لتطور المنطقة في الشرق العربي أولاً وفي بقية العالم العربي ثانياً.
لهذا يمكن رؤية الدور الحوثي ضمن هذه الرؤية الشاملة، فبدون ذلك لن تستطيع الدولتان المنخرطتان بجهدهما العسكري في اليمن إحراز نجاحات حقيقية في هذا الاتجاه. الحوثيون هم مجرد مخالب إيرانية لا أكثر. وإن العجز العسكري والسياسي عن اقتلاعهم، وفرض حلٍ سياسي، تستعيد فيه الشرعية اليمنية سلطتها، هو عجز سيطال لاحقاً هاتين الدولتين إضافة إلى باقي دول المنطقة العربية، وسيهدّد استقرارها السياسي والمجتمعي.
ويمكن القول أن هذه الحالة يمكن تجاوزها مع استعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي خارج الحساسيات الايديولوجية، التي تحكم العلاقات بين هذه الدول.
إنّ من مصلحة استقرار المنطقة العربية عموماً والخليجية خصوصاً أن تُردمَ الهوّة المفتعلة بين هذه الدول، وأن يقطع الطريق على اللعب الإيراني على تناقضات هذه الدول، والتي تُضعفُها بدلاً من أن تقويها ضد سياسة الابتلاع الإيرانية.
بقي أن نقول، أن الخطر الذي يواجه الدول العربية في الخليج وغير الخليج هو خطر يحتاج إلى أذرعٍ عربيةٍ فاعلةٍ، يمكن بناؤها قبل أن تدخل الفأس الإيرانية في الرأس العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *