
أحمد قاسم -خاص بالموقع
الكل يسعى إلى أن تتوَقَفَ الحرب في سوريا, لكن المسعى لدى من يدير الأزمة لن يتوحَّدْ.
لطالما أن سوريا خرجت من تحت السيطرة ( أي سيطرة أصحابها من الشعب السوري ) ورأت القوى الخارجية من الدول ضالتها في التدخل وإستعمال من هم جاهزون للإنابة عنهم من السوريين أنفسهم تنفيذاً لما يُؤْتمرون بها من أوامر على المستويين ” السياسي والعسكري ” وذلك تحقيقاً لمصالح فردية أو جماعية بعيداً عن مصالح ومطامع السوريين في التغيير الديمقراطي للحكم… تلك الإنابة أتت بشكل عجيب و غريب من الجانبين ” المعارضة والنظام ” على حدٍ سواء لتشكل محورين متنافسين متصارعين متضادتين في الرؤية والمصلحة, وبالتالي, تقدما إلى جلب المرتزقة والفاسدين لإشعال نار الفتنة وإشاعة الفوضى, مما أوصلت بسوريا إلى وضع معقد تجاوز كل التصورات على مستوى القتل والتدمير والتهجير…
بعد كل ذلك, الآن لم نسمع أحداً بأنه يرفض وقف الحرب ولكن كيف؟
مع تعقيدات المشهد السياسي التي أنتجتها تلك الحرب طوال عمر الأزمة السورية ” بعد تحريف الإنتفاضة الشعبية عن مسارها و التي اندلعت في آذار 2011, ولقد وصفوها بثورة الحرية والكرامة ” ومع تدخلات دولية وجمع الإرهابيين من كل أصقاع العالم باسم الجهاد الإسلامي, لم يعد بمقدور تلك الدول المتنافسة على سوريا التخلص بسهولة من تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي ترعرعت وسط بيئة فوضوية وغياب السلطة حيث اكتسبت فنون القتال مع امتلاكها لأموال ضخمة طوال كل هذه الأعوام, وأسلحة تكفيها أن تستمر لفترات طويلة لطالما أن القرار الدولي حول سوريا لم تُتَخَذْ بعد, وأنها في حالة عراك سياسي تتجاوز إطار هذا العراك حدود وجغرافية سوريا!
ولكن مع كل ذلك, فلا بد أن تصرف الجهود باتجاه العمل الجدي لوقف الحرب في سوريا وإن تَوَسَّعَ الصراع بين الدول الفاعلة في المنطقة ليشمل كل الشرق الأوسط الذي يحتوي على بؤر صالحة للإنفجار بصورة أكثر سخونة قد يشمل العديد من الدول.. ولكن الذي يؤخر ويؤجل وقف الحرب في حقيقة الأمر هو فقدان الدور السوري في كل الأزمة لطالما أن الرهان بأيدي تلك الدول المديرة للأزمة والتي أدت إلى فقدان البديل الديمقراطي للنظام القائم!
إن فقدان البديل الديمقراطي للنظام منذ بدايات الإنتفاضة كان عاملاً مساعداً لإشاعة الفوضى وقلب الموازين بين الشعب والنظام, وبالتالي تجرأ النظام أن يتشبث بالسلطة لطالما أن المعادلة قد تغيرت فيما بعد عندما سيطرت قوى التطرف والإرهاب على مساحات واسعة من البلاد وتقلصت نفوذ ” الجيش الحروالثوار ” على المناطق التي خرجت عن سيطرة قوات النظام, مما شكل مؤشراً خطيراً على المستويين العسكري والسياسي وكأنما أصبح البديل الفاعل للنظام تلك القوى المُهَدِّدة للأمن والسلامة الدوليين ( كجبهة النصرة والدولة الإسلامية و غيرها من القوات المتطرفة..).. لتؤثر بدورها على الموقف الدولي برمته الذي انقلب من ” المطالبة بتنحي النظام إلى بقاء النظام ” كطرف أساسي في الحوار من أجل الوصول إلى حل سياسي في سوريا!
لكن, مع بيان المشهد على حقيقته, يبقى السؤال الأهم الذي يمسُّ آمال السوريين ويتابعون كل تلك التعقيدات لإيجاد وملامسة الجواب الشافي لسؤاله الذي لم يبتعد عن باله واهتماماته: لماذا لم تتوقف هذه الحرب المدمرة لطالما أن الأطراف الرئيسية قد وافقت من حيث المبدأ على إيقافها, وذلك من خلال عقد لقاءات مراتونية في جنيف وآستانا وسوتشي عوضاً عن لقاءات دولية في العديد من العواصم.
الآن, وفي الآونة الأخيرة نستبشر خيراً أن الموافقة على تشكيل الهيئة أو اللجنة الدستورية قد تمت بين الأطراف, وقريبا سيتم الإعلان عنها. ولكن يبقى السؤال معلقاً, كم من الوقت ستأخذ هذه اللجنة لإكمال مهمتها؟ وهل سيكون الأطراف متفقة على ما ستقدم من مبادئ دستورية بسلاسة أم ستضيع بين تعقيدات قد تصنعها الأطراف لغاية في نفسهم وتأخذ العملية سنين؟؟؟
أعتقد أن الأهم في الأزمة السورية هو وقف الحرب أولاً, وهو أهم من أهمية تشكيل اللجنة الدستورية.. وأن وقف الحرب منوط بالدول الراعية والمديرة للأزمة, فإن توحدت إرادتها تستطيع إيقاف الحرب في زمن قياسي لطالما هي من ترعى وتساعد المقاتلين على طرفي الصراع ( النظام والمجموعات المسلحة على حدٍ سواء ).. وبالتالي, أعتقد أن وقف الحرب هو المؤشر الحقيقي لبدء مرحلة الحل السياسي وليست تشكيل اللجنة الدستورية التي قد تكون عاجزة هي الأخرى عن إكمال مهامها في ظل حروب مستدامة وتشابكات الأزمات في المنطقة مع الأزمة والصراع الدموي في سوريا.