ميشيل كيلو

في لقاء انقرة الذي جمعه يوم ١٦ ايلول مع روحاني وبوتين، أعلن أردوغان الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية، وقال إنه صار باستطاعتها مباشرة عملها.

بعد قرابة عامين من مماطلة روسية / اسدية، تم أخيرا تشكيل اللجنة، التي يشك معظم السوريين في أهليتها لبدء ما انتدبت نفسها، أو انتدبها غيرها إليه: التوافق على دستور لمرحلة ما بعد الثورة. أما اسباب  مثل هذا الموقف، فيتصل كثير منها بالاوضاع الموضوعية، التي رافقت ولادتها، وكثير آخر بمستقبل الصراع الدولي على منطقة شرق الفرات، وموقع الثورة الأخير في ادلب ومحيطها، وما يتعلق بالموقف الدولي الموحد من جبهة النصرة بمختلف مسمياتها، وبالدواعش القدماء والجدد، وما يتبنونه من سياسات أسدية يعبر عنها شعار:” النصرة أو الثورة “، وبتمسكهم بزج ادلب في حرب يعلم جميع خلق الله إنها ستكون خاسرة، بسبب عجزها واحتمال تخليها دون قتال عنها، مثلما تخلت عن غيرها، ووجود قرار دولي بالتخلص منها كتنظيم ارهابي، أصر بوتين في آخر زيارة له الى أنقرة يوم ٢٨ ايلول الماضي على الدعوة إلى تصفيته، لان وجوده يقلق روسيا، بينما أفضح أردوغان عن الاتفاق على تشكيل “اللجنة”، التي ستبدأ عملها ، أو ستعمل، في حمأة ميل روسي إلى شن حرب تعيد ادلب ومناطقها للاسد، لذلك، ستذهب هيئة التفاوض إلى جنيف وسط تلازم معركتين عسكرية ودستورية، وافتقارها إلى قوة تساندها، في بينما تلقي روسيا بوزنها العسكري والسياسي وراء الاسدية ، وتستطيع  تعطيل أية جهود لتطبيق القرارات الدولية، وخاصة الداعمة منها لمطالب السوريين في التغيير الديمقراطي، أو توظيف انتصاراتها الحربية المؤكدة وغلبتها الميدانية لدعم حل دستوري يثبت ربيبها في السلطة، ويحافظ على نظامه في اقرب صوره من وضعه الحالي .

ـ هذا الوضع ، يصعّب مهمة الهيئة، إذ بينما تقول القرارات الدولية بالانتقال الديمقراطي كمرجعية لأي حل سياسي، نجح الروس والايرانيون في منع التفاوض على مثل هذا الحل، بينما يراهن الاتراك على اهداف قومية أمنية الطابع، لا علاقة لها بحل ديمقراطي سوري، أو بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، لاتصالها باوضاع كرد سورية وجوارها، وحاجة انقرة إلى دعم دولتي روسيا وايران، اللتان ترفضان المس بسلطة الاسد، أو التخلي عن نظامه، رغم ما يرتكبه يوميا من انتهاكات دستورية وقانونية، في كل كبيرة وصغيرة، وستتمسكان بدستوره، الذي اصدره عام ٢٠١٢، أو بدستور يعيد إنتاج وضعه الحالي، أو وضع قريب منه، وستقومان بكل ما هو ضروري لمنع التوصل الى الدستور ،الذي اقره بيان جنيف، وربط اصداره بجمعية تأسيسية تشكلها” هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية”، تحل محل الاسد ، لكن اللعب الدولي عطلها، وها هي”اللجنة الدستورية”، الغائمة الاهداف، تقفز عنها، بينما حسم البيان المسألة الدستورية بجعله “الانتقال الديمقراطي” مرجعية الحل السياسي، وبالتالي الدستور الذي سيشرعنه. ستحول روسيا وإيران أيضا دون تطبيق الفقرة الرابعة من نص القرار ٢٢٥٤، الذي يقول بـ “تحديد جدول زمني لصياغة دستور جديد مرجعيته بيان جنيف”، باعتباره مرجعية القرار ٢٢٥٤، الذي تعهدت نصوصه بتنفيذه! اليوم، ليس هناك جدول زمني لصياغة دستور جديد، وليس هناك قرار ملزم بصياغة دستور جديد أصلا؟

ـ إلى جانب موقف الدولتين التعطيلي، برزت في الشهر الأخير مشكلة يرجح أن تحول دون تجاوز الخلاف على نوع الدستور، هي السيد بيدرسون، الذي أدلى يوم ٢٤/١٠/٢٠١٩ بتصريحات تشي بتخليه عن تطبيق الفقرة الرابعة من القرار ٢٢٥٤، وبموافقته الضمنية على تعديل الدستور الأسدي، وذريعته: أن” السوريين هم الذين سيحددون نوع الدستور او الاصلاح الدستوري الضروري لسوريا”، متجاهلا أن هذا النوع محدد بدقة في الفقرة المذكورة، وأن أحدا لا يعتقد ان اللجنة ستحل بحد ذاتها الصراع “.

ـ اذا اضفنا إلى ذلك افتقار “هيئة التفاوض” إلى قوة الضغط الضرورية لاقرار دستور جديد ينص على الانتقال الديمقراطي كهدف للحل السياسي، وما تشهده المنطقة من انتقال تدريجي ، قد يتصاعد فجأة، في مركز ثقل الصراع إلى الخليج، حيث تضع واشنطن وزنها وراء مصالحها فيه، بينما تمر علاقات تركيا وأميركا بأزمة جدية، وتتقدم العلاقات التركية / الروسية، ويتراجع دور المعارضة السورية في كل مجال، ويتحول إلى دور بالواسطة عسكريا وسياسيا، لكونه يخوض معاركه كجزء من دور قومي تركي، إن تعارضت مصالح الثورة معه، وجدت ” الهيئة نفسها في فراغ سياسي /عسكري لن تنقع معه المهارات الكلامية، خاصة في حال شن الروس هجومهم المنتظر على ادلب، أو لم يبق للثورة قوة عسكرية ” خاصة” غير جبهة النصرة، واستمر الموقف الشعبي السلبي اللجنة الدستورية، وحملها الرأي العام السوري المآلات التي وصلت قضيته إليها، والتراجعات الخطيرة ، التي تتعرض لها .

ـ ليست مهمة ” الهيئة” سهلة، فهي تحاول ان تحصل اليوم، وقد بلغ التردي في موازين القوى مع الروس والايرانيين أخطر مستوياته، ما عجزت الثورة حتى عن مجرد فتح حوار تفاوضي حوله، عندما كانت تسيطر على ثلثي مساحة سورية. فهل ستكفي المهارات التفاوضية لتعديل الموازين وتحقيق أهداف الشعب؟ وفي حال كانتا كافيتين، هل يتوفر منهما قدر يتكفل بلي ذراع علاقات القوى، الضاغطة منذ اعوام على معارضة لا تعرف كيف تكبح تراجعها وركود اوضاعها، فماذا بوسعها أن تعمل في حال ادخلت روسيا التفاوض في موت شتوي، أو بالعكس، سعت لحسمه خلال فترة قصيرة، للإفادة من الضعف التركي والتخبط الأميركي، وانعدام أي مستوى استراتيجي في سياسات البيت الابيض، ولوضع الجميع أمام أمر واقع يحول الحل إلى اداة لمرحلة سورية جديدة، بحسابات محلية وعربية وإقليمية ودولية جديدة؟

بتلازم هذه التطورات مع الاعلان عن اقرار وبدء عمل اللجنة الدستورية، سيكون الانتقال الديمقراطي كمرجعية للحل السياسي ضربا من الخيال، وستواجه “هيئة التفاوض “ضغوطا بدائلها اشد سوءا منها، وستفرض نتائج الحرب نتائج التفاوض، ما لم يقدم السوريون حيثما وجدوا دعما وطنيا ملموسا، منظما ومستمرا في الداخل والخارج، يعبرون من خلاله عن تمسكهم بالقرارات الدولية، ورفضهم المسبق لما يرجح أن يعمل الطرف الآخر لفرضه عليهم، من خارجها.

سيحدد الدستور نمط الحل السياسي في سوريا، وهوية الدولة القادمة ونظامها، والطرف المنتصر والمهزوم. لذلك، لا بد أن يتحول السوريون إلى طرف فاعل في المفاوضات، وأن يتابعوها بأعلى قدر من الاهتمام، ويطالبوا الأمم المتحدة بتطبيق قراراتها، وباقرار دستور ديمقراطي لشعب يستحقه، قدم مليون شهيد من أجل حريته، التي اعترفت جميع دول العالم بها، ومن غير المقبول أن تتخلي هي عن تطبيقها لمجرد أن روسيا وإيران تتنكران لها وترفضان تطبيقها. هذا الدور الوطني، إما أن يسهم في الحد من مخاطر وضع المعارضة الذاتي، أو إن يكون غيابه تتويجا نهائيا لهزيمة الثورة؟!

بروكار برس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *