• د. محمد عادل شوك: ( الأيام السورية )

يرى عددٌ من المراقبين أن عملية مقتل البغدادي لا يمكن فصلها عن تطورات المشهد الأمني و العسكريّ في إدلب، و هم يشاطرون تركيا الرأيَ في أنّ دفع البغداديّ إلى شريطها الحدودي مع سورية، ليقوم بالدخول مع أسرته إلى منطقة الريحانية في الداخل التركي، كان الغرض منه هو محاصرتها بالجرم المشهود، و هو الأمر الذي تداركته أنقرة، فبادرت إلى الاتصال بإدارة ترامب لحسم خيارها: إمّا أن تقوم واشنطن بقتله، أو تترك ذلك لأنقرة.
ويَرَوْن أيضًا أنّ مقتله سيشكِّل نقطة تحوّل في المعركة المشتركة ضد الإرهاب، كما قال الرئيس أردوغان، و هو في طريقه إلى العاصمة المجرية، الخميس: 7/ 11 الجاري، و أنّ هناك كثيرًا من الأسئلة المثارة عن هذه المصادفة التي جمعت قرار الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، وتزامنه مع عملية تصفية البغدادي، أليس ممكنًا أن يكون رأس البغدادي جزءًا من صفقة بين الرئيسين التركي والأميركي حول ذلك؟
هناك حديثٌ يتمّ تداوله، و وصل صداه إلى وسائل الإعلام، بأنّ المعلومات التي حصلت عليها الاستخبارات التركية، هي التي ساهمت في تحديد مكانه، وبأنّها قد مُررت إلى الرئيس ترامب حين لقاء نائبه مع الرئيس أردوغان، في: 17/ أكتوبر.
غير أنّ هناك أصواتًا في واشنطن لم تتوقف عند ما تقوله أنقرة، و هي تذهب إلى أنّ القرار بتنفيذ هذه العملية في هذه المنطقة على منطقة نفوذ أنقرة، هو رسالة تذكير أمريكية ثانية بعد عملية مزارع بروما: المتاخمة لمدينة إدلب، قبل أشهر قليلة، بأنّ تلك المنطقة لم تعد حديقة خلفية لذئب الأناضول أو الدبّ الروسي، و أنّ الفيل الأمريكي قادم إليها لا محالة، و الأمور عندها ستشهد تغيّرًا دراماتيكيًا ملحوظًا.
و هي ستطلب منهما تنفيذ اتفاقيات غرب الفرات، بالقضاء على التنظيمات الجهادية، و إلَّا فإنها ستتحرّك للقيام بهذه المهمة من غير تردّد، وأنها قد فرضت عليهما أمرًا واقعًا جديدًا، يتمثَّل في التنسيق معها بعد الآن ضد تلك الجماعات.
و هي الخطوة التي تركت أنقرة وموسكو وجهًا لوجه؛ لا بلْ حملت موسكو على التحرّك على التصعيد العسكريّ لاسترداد الاعتبار الذي فقدته بسبب هذه العملية، التي أظهرت أنّها و النظام على حدٍّ سواء لم يكونا في صورة ما جرى في باريشا، و أنّ ما قيل عن التواصل معهما لم يتعدّ سوى الإعلام بتحرّك طائراتها على مقربة من قاعدة حميميم في تلك الليلة.
يغلب على الظنّ أنّ بوتين سيتحرّك بعد الآن وفق طريقته في إدلب، إذا لم تتحرك القوات التركية ضد تلك الجماعات، بذريعة أنّ الوعود التركية لم تنفذ، وأنّ هذه الجماعات تقوى ميدانيًا يومًا بعد الآخر، الأمر الذي سيزيد من صعوبة اقتلاعها لاحقًا.
هذا فضلاً على ما أخذت واشنطن تقوله لطرفيّ أستانا، بأن العملية التي وقعت في منطقة نفوذ هيئة تحرير الشام، تدللّ على أنّ العلاقة بين هذا التنظيم وبين الجماعات الجهادية الأخرى، لم تنقطع على الرغم ممّا قيل عن الطلاق والقطيعة بينهما؛ لا بل هي تردّد على مسامعهما بأن البغدادي لم يتّجه إلى المنطقة، إلاّ و هو يدرك ذلك.
و بذلك تكون الرسالة قد وصلت من الرئيس ترامب: ” إنّ يدنا طويلة، وسنواصل ملاحقة الإرهابيين أينما كانوا “. إمّا أن تقوموا بما هو مترتّب عليكما، و إلاّ فافسحوا لنا الطريق، فنحن قادمون لنقوم بما عجزتم عن فعله، وهو بذلك سيستغل هذه العملية في الداخل الأميركي: سياسيًا وانتخابيًا.
و هو الأمر الذي قرأته موسكو، فأرادت أن تبادل واشنطن القناعة بأنّ تركيا غير جادة في إنهاء ملف إدلب، و أنّ المُهَل التي تطلبها لا تعدو أن تكون لكسب الوقت و تحسين شروطها معها و مع واشنطن، و أنّها ـ موسكو ـ لن تتأخر بعد الآن في حسم ملف تلك الجماعات، وفق طريقتها الخاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *