تواصل أطراف السلطة في لبنان العمل في اتجاهين: الحفاظ على مكاسبها من خلال حكومة تلبي املاءات “حزب الله” وجبران باسيل، والسعي في العمق الى اجهاض الانتفاضة الشعبية بتجاهل مطالبها. من هنا البحث عن رئيس حكومة مطواع.

البحث عن “طرطور” للحكومة
استطاع رئيس الجمهورية أخيراً أن يمارس الصلاحية الكبرى التي يملكها، إذ يحتجز الاستشارات النيابية ويحاول، عبر الوزير جبران باسيل، أن يعثر على رئيس للحكومة ليكلّفه بتشكيل ما يشكّله باسيل وبتأليف ما يؤلفه. في أقلّ تقدير يريد العماد ميشال عون وصهره حكومة مشابهة لتلك المستقيلة مع تعديلات يستنسبانها، وبيّنت التسريبات خريطة طموحات باسيل والوزارات التي يريد السيطرة عليها ليضمن أن أي اتهامات بالفساد لن تطاوله لاحقاً لئلا تقضي على مستقبله السياسي، فهو لا يزال يعتبر أن له مستقبلاً سياسياً… وبهذه الطريقة يكون الرئيس والصهر يبحثان عن “طرطور” يسميانه رئيساً للحكومة، بشرط أن يرضى بصفته/ وظيفته هذه وألا يحاول التذاكي أو الظهور كمَن لديه مشروع أو شروط، فالمشروع الوحيد في هذا العهد الرئاسي كان ولا يزال الإعداد لـ “عهد جبران”.
هذا النهج في إدارة الحكم، بالأحرى إدارة اللاحكم، هو أقرب الى تفكير جماعة/ عائلة وليس الى نهج دولة، وهو يقود الى ما قاد بشار الأسد سوريا إليه، أي الى الكارثة. وبالمعنى الطائفي، لمَن يفكّرون طائفياً فقط، هو نهج مَن يرى أولاً أن طائفته ملزمة بنصرته لأنه يمثّل “مجدها” وتفوّقها، وبالتالي يحقّ له إلزام الطوائف الأخرى بالتطوّع لخدمته، حتى وهو يسيء مثل بشار الأسد لطائفته وللطوائف جميعاً. يتناسى الرئيس وصهره أنهما سبق أن خاضا أشرس الحملات باسم الدستور و”الميثاقية”، لكنهما كانا آنذاك جنديين من معركة تمكين “حزب الله” من السلطة بمعزل عن أي دستور وميثاقية. أما وقد انعطب “العهد” و”وليّ العهد” ووقعا في فخّ أخطائهما فقد أوقعا معهما حليفهما “الحزب” الذي وجد فجأة أن لا مصلحة له في التمسّك بمن أصبح عبئاً أكثر مما هو حليف، لكن خياراته الأخرى محدودة.
يعود الفضل الى الانتفاضة الشعبية في انكشاف الوجوه والأدوار، فهي ببساطتها وعظمتها في آن أعادت الى “الوطنية” معنىً ومكانة، وجعلتها معياراً لا يمكن طمسه، الوطنية التي هي نقيض سرقة المال العام، نقيض الفساد بأشكاله شتّى، نقيض الاستحواذ على الدولة بالسلاح غير الشرعي، نقيض السكوت على هذا السلاح لقاء المناصب والامتيازات، ونقيض صفقات المحاصصة. يكاد الجميع أن يفهم ما فعلته الانتفاضة، باستثناء “العهد” وصهره وحليفه، إذ يبدو لهم أن الإنكار أقل كلفة من الاعتراف بما حصل وبما يستوجبه من عمل، فالأولوية عندهم لمكاسبهم وليس لإنقاذ البلاد.
على رغم أن الأزمة المالية أصبحت أزمة معيشية متجهة سريعاً الى أن تصبح كارثة، وعلى رغم أن بعض العالم مهتمّ ويطالب بحكومة جديدة يعمل معها على تخفيف آلام الانهيار، إلا أن الأهم عند الرئيس أن لا يفقد الصهر منصبه في الحكومة، والأهم عند “حزب الله” أن لا يفقد وجوده في واجهة الحكم. وكلاهما يريد مساعدات عربية كي يحافظا على عدائهما المكشوف للعرب.
صحيفة النهار