لم تنجح الاتصالات الروتينية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في التغطية على الخلافات الثنائية التي خرجت إلى العلن وكشفت عن وجود قلق روسي جديّ من إرسال قوات تركية لدعم حكومة “الوفاق” في طرابلس التي تهيمن عليها الميليشيات في الوقت الذي عملت فيه وسائل إعلام تركية على الإيحاء بوجود “تفاهم” مّا مع موسكو يمكن أن يوفر غطاء للتدخل التركي.
يأتي هذا فيما تستمر حكومة “الوفاق” برئاسة فايز السراح في البحث عن دعم خارجي لمنع الهجوم الذي يقوده الجيش الليبي على العاصمة، واستنجدت هذه المرة بواشنطن ولندن وروما والجزائر إضافة إلى أنقرة.
وأعربت روسيا، الجمعة، عن قلقها البالغ إزاء احتمال نقل تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا وفق مذكرة التفاهم الموقعة مع حكومة السراج، والتي أثارت سخطا إقليميا ودوليا.
وقال مصدر في الخارجية الروسية، إن موسكو قلقة بشدة من احتمال إرسال تركيا قوات إلى ليبيا، وفق ما نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء.
وأضاف المصدر أن الاتفاق الأمني بين تركيا وحكومة السراج يثير تساؤلات كثيرة.
ويعتبر مراقبون أن التدخل التركي في ليبيا يعتبر تحديا لروسيا خاصة في ظل تقارير عن وقوفها إلى جانب الجيش الوطني الليبي، رغم نفيها العلني لذلك بالتصريحات والبيانات، وأن هذا التحدي قد يدفع إلى توتر في العلاقات الثنائية في ملفات أخرى خاصة في الملف السوري.
من جهته، أعرب أردوغان عن أسفه لانخراط روسيا بشكل غير معلن في النزاع الليبي من خلال شركة “فاغنر”، قائلا إن “مقاتلي شركة فاغنر، يحاربون كمرتزقة إلى جانب ميليشيات حفتر، ومعروف من يقوم بتمويلهم، وبالطبع ليس من الصواب وقوفنا مكتوفي الأيدي أمام هكذا وضع، لقد فعلنا ما بوسعنا، حتى اليوم، وسنواصل فعل ذلك”.
ونقلت محطة إن.تي.في عن أردوغان قوله “إنهم يعملون حرفيا كمرتزقة لصالح حفتر في ليبيا عبر المجموعة المسماة فاغنر. أنتم تعلمون من يدفع لهم”.
وأضاف “هذا هو الوضع ولن يكون من الصواب أن نبقى صامتين أمام هذا كله. فعلنا أفضل ما يمكننا حتى الآن وسنواصل ذلك”.
وأفاد مصدر عسكري ليبي الجمعة أن هناك فرق اقتحام وقناصة أتراك يقاتلون في صفوف حكومة “الوفاق” في محور خلة الفرجان بالعاصمة الليبية طرابلس.
وقال المصدر في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الجمعة، “لقد رأينا جنودا أتراكا يقاتلون على الأرض في محور خلة الفرجان بطرابلس في صفوف الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق”، مؤكدا على أن “الجنود هم عبارة عن قناصة وفرق اقتحام أتراك”.
وكانت مصادر إعلامية قد كشفت أن تركيا أرسلت أسلحة إلى مدينة مصراتة، تمهيدا لنقلها إلى الكتائب الموالية لحكومة “الوفاق” في طرابلس، وأن عناصر من تنظيم إخوان ليبيا غادروا إلى تركيا للاجتماع بقيادات من تنظيم الإخوان الدولي ومسؤولين أتراك.
وذكر تقرير لخبراء من الأمم المتحدة اطلعت عليه رويترز في الشهر الماضي أن تركيا أرسلت بالفعل إمدادات عسكرية إلى ليبيا في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته المنظمة الدولية.

وقالت مصادر دبلوماسية في العاصمة الروسية إن التواصل الجاري بين بوتين وأردوغان بشأن الوضع في ليبيا، يكشف عن احتكاك مكتوم في مواقف البلدين بشأن مقاربة المسألة الليبية وأن بواطن الأمور تخفي صراعاً حقيقيا بين أجندة تركيا وأجندة روسيا المتعلقة بخرائط النفوذ في حوض البحر المتوسط.
وأضافت أن موسكو تعتبر أن الجيش بقيادة حفتر هو امتداد للجيش الليبي الذي كانت تدعمه في عهد القذافي، كما أن خيارات حفتر في محاربته للجماعات الإرهابية تتسق مع استراتيجية روسيا في هذا الشأن. وتجد هذه الأوساط قواسم مشتركة بين حوافز وأسباب التدخل الروسي في سوريا وذلك الذي يأخذ أشكالاً متحفظة حذرة في ليبيا.
ويرى محللون أن موقف تركيا ينطلق من محفزات عقائدية عمادها دعم الإسلام السياسي في المنطقة والاعتماد على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الرديفة لبناء سياسة التمدد التركي في المنطقة.
ويضيف هؤلاء أن تركيا تسعى لإيجاد ركيزة سياسية وعسكرية في ليبيا تؤمّن لنظام حزب العدالة والتنمية مصالحه داخل دولة نفطية مثل ليبيا، ويؤمّن لأنقرة ذريعة من خلال مذكرة التفاهم مع حكومة السراج، لفتح معركة مع منظومة بلدان البحر المتوسط بشأن سوق الغاز الواعد في المنطقة.
وبات الوضع في ليبيا من الخطورة بحيث لن تبقى الدبلوماسية بين روسيا وتركيا رمادية تدّعي التعاون.
ولم يستبعد محللون دخول البلدين في مرحلة تشبه ما يجري بينهما في سوريا، حيث تسلّم تركيا لروسيا بأولوية أجندتها هناك، وأن إعراب روسيا عن القلق من التدخل العسكري التركي في ليبيا يمثل إنذارا لأنقرة سيفهمه أردوغان كما فهمه قبل ذلك في سوريا.
وفي سياق تدويل أكبر للصراع، طالبت حكومة “الوفاق”، الجمعة، المساعدة من خمس دول “صديقة” لصد هجوم القوات الموالية للمشير خليفة حفتر الرجل القوي شرق ليبيا على طرابلس العاصمة.
وأوضحت في بيان أن السراج وجه رسائل إلى رؤساء خمس دول هي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وإيطاليا والجزائر وتركيا، طالب فيها بتفعيل اتفاقيات التعاون الأمني، “لصد العدوان الذي تتعرض له العاصمة طرابلس من أيّ مجموعات مسلحة تعمل خارج شرعية الدولة”.
من جانبها، عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن أسفها من التصعيد العسكري المتفاقم والتدخل الخارجي المتنامي في البلاد.
وأوضحت البعثة الأممية في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك أنها “تأسف للتطورات الأخيرة وللتصعيد العسكري المتفاقم، والتدخل الخارجي المتنامي في ليبيا، وقيام الأطراف بتبادل التخوين وبتعريض وحدة ليبيا للخطر”.
وشددت البعثة على تأكيدها بحتمية “الحل السياسي”، وبمضيّها قدما في مسعاها الحثيث لترميم الموقف الدولي المتصدع من ليبيا، ولحث الليبيين العودة إلى طاولة التفاوض لوقف التقاتل بين الإخوة، وكبح التدخل الخارجي.
العرب