اننا إعادة التلاحم المجتمعي وتماسكه بعد سنوات الصراع والتمزق الحاصل بين أفراد ومكونات المجتمع السوري.
اسعد الله اوقاتك و اوقات جميع السيدات و السادة في هذه المجموعة الكريمة و اتمنى ان يحمل العام القادم لكم و لنا و لكل الشعب السوري الأمل في نهاية هذه المأساة الكبرى. و لعل هذا الامنية مقدمه للإجابة على سؤالك الذي تحتاج إجابته الوافية إلى حديث طويل يشارك به أهل السياسة من و الاقتصاد و رجال الدين و علماء الاجتماع و قادة المجتمع المدني و الأكاديميين و أهل الثقافة و الفكر و القانونيين و رجال الأعمال و طبعا دون حصر ذلك بصفة المذكر بل لا بد من حضور نسائي وازن ضمن هذه العملية المعقدة. ان الامر برمته يتوقف على امكانية طي صفحة الماضي و التطلع الى مستقبل جديد يتشارك به كل السوريين، و هذا ليس بمنال سهل و ان كان ليس مستحيلا. و ساسمح لنفسي ان اقدم اجتهادا مختصرا ساضعه بصيغة نقاط كي يكون محددا كما أحب بحوارات من هذا النوع ان تكون.
مقدمة بسيطة: اعادة التلاحم يقتضي أولا وقف دوي القنابل و أزيز الرصاص و هذا لن يتم دون اتفاق دولي- اقليمي. اي كلام غير ذلك بانتصار احد أطراف الصراع هو محض اوهام قلتلها و قالها غيرنا منذ سنوات. .النقاط
١- ان تتفق الدول الفاعلة في الملف السوري ( بعد أن أدركت بأنها لن تستطيع تحقيق على المسرح السوري أكثر مما حققت ) على تفكيك التنظيمات المتطرفة التي ساهمت أجهزتها الاستخباراتية في تشكيلها.
٢- بعدها تقوم هذه الدول متفقة على فرض وقف شامل لإطلاق النار.
٣- يتم التعاطي مع اللجنة الدستورية بجدية من أجل إنجاز دستور جديد للبلاد. و لا بد أن يكون هذا الدستور ديموقراطيا، لا طائفي، كافلا للحريات الفردية و السياسية الحزبيه، حافظا لانفصال السلطات و استقلالها، معززا لقوة دولة القانون، المواطنة المتساوية فيه هي اسمى المفاهيم و بالتالي يجب أن يجرم اي خطاب أو ممارسة تمييزية بين السوريين.
٣- بالتوازي مع صياغة الدستور، بدعم دولي توافقي و صادق، يتم إحياء مفاوضات جنيف بين النظام و المعارضة من أجل انشاء ” البيئة الآمنة و المحايدة” التي نص عليها القرار ٢٢٥٤ كي يتم من خلالها استفتاء ذي مصداقية على الدستور، و انتخابات برلمانية و رئاسية نزيهة و عادلة لا يحق لبشار الاسد ترشيح نفسه فيها.و هذا يعني بالضرورة انشاء جسم حكم انتقالي.
٤- انتخاب برلمان محترم لا يقوم على مفاهيم ضيقة سواء كانت عشائرية أو مناطقية أو طائفية و انما على قاعدة وطنية. ( تجنبا لسيرك البرلمانات التي نراها في لبنان و العراق)
٥- انتخاب رئيس للجمهورية يحظى بقبول غالبية الأطراف كي لا يكون رئيسا لطرف دون الآخر. رئيس قوي يملك قدرات قيادية و نزاهة وطنية و صاحب رؤية تأسيسية لسوريا المستقبل. هذا الرئيس يجب أن يملك القدرة على مخاطبة السوريين بمختلف أطيافهم و الحصول على ثقة عقولهم و طمأنينة قلوبهم. و يجب ايضا ان يكون مقبولا و مطاعا من المؤسستين العسكرية و الأمنية لان لنجاحه معهما اكبر الأثر في اصلاحهما من جهة، و تكريس الأمن و هيبة الدولة و قوة القانون و الدستور من ناحية ثانية. كما يجب أن يكون لديه تأييد و ثقة من جانب الرأسمال الوطني الذيىسيكون الدعامة الأساسية في تدوير عجلة الاقتصاد. ايضا يجب أن يحظى باحترام المجتمع الدولي و الإقليمي كي يسوي الخلافات و يستقدم الموارد اللازمة لإعادة الإعمار.
٦- الدولة الجديدة يجب أن توفر أهم الأولويات و هي غير الأمن: فرص العمل التي ستتيح املا بحياة افضل و تدعو من الجميع الى الكسب الشريف. و التعليم الجيد الذي سينشئ أجيال، ما بعد العنف و التطرف و الاقصاء، على أسس وطنية.و الصحة التي من دونها لا عمل و لا تعليم.
٧- يجب ان لا تتجاوز مؤسسات الدولة ما يمنحها الدستور من قوة، و لكن يجب عليها أن لا تدخر هذه القوة في تطبيق القانون و محاربة اي فكر عنفي أو اقصائي أو متطرف.
٨- يجب أن يولي البرلمان و القضاء أولوية لشكل إيجابي من العدالة الانتقالية و جبر المتضررين و تقصي مصائر المختفين و رفع الضيم عن المقهورين و المحرومين ممن عانى الويلات جراء الانتهاكات اللاإنسانية سواء من ناحية النظام أو من ناحية الجماعات المسلحة. من دون ذلك لن يكون هناك مصالحة وطنية و لا استقرار مستدام.
٩- في هذا الاطار فان دعم الدولة و القطاع الخاص للفن و الثقافة ليس رفاهية و لا كماليات بل ضرورة وطنية لان الخطاب الثقافي و الإنتاج الفني سيعالجان الكثير من التشوهات الفكرية و النفسيه التي اعترت المجتمع السوري و كذلك سيمارسان دورا كبيرا في خدمة العدالة الانتقالية و المصالحة الوطنية و سيساهمان في بناء الجسور بين مختلف مكونات المجتمع و سيعززان القيم الواجبة من أجل مستقبل آمن للجميع. ( في كل الاجتماعات الدولية التي حضرتها و التي تتعرض للعدالة الانتقالية و المصالحة الوطنية و إعادة البناء قلما يتم التطرق إلى هذا الجانب، و انا قمت بما استطيع كي اؤكد على أهميته و خاصة في مجتمعاتنا التي تؤثر فيها بعض المسلسلات أكثر من كل الخطابات السياسية على اختلاف اهميتها)
١٠- للاعلام دور شديد الاهمية و يجب على الدولة ان تحترم حرية الإعلام لأنه احد ضمانات تقويم المسار و ردع الفساد و التجاوز على القانون، و هو ايضا فضاء للمشاركة في إيصال كل الأصوات و إنتاج آليات صنع السياسات. لكن يجب على الدولة ان لا تتهاون مع اي دكاكين إعلامية تريد أن تنشر الأكاذيب أو تحرض السوريين ضد بعضهم من خلال نشر خطاب الكراهية و زرع الشكوك و ترويج الأوهام لانها ان فعلت فهي تنتهك الدستور و أو واجبات السلطة المنتخبة هي صيانة الدستور و الدفاع عنه.
١١- على السياسات الاقتصادية ان توازن بين الاستثمار و الجشع و ان تأخذ بعين الاعتبار الحاجات المعيشية للطبقات المحرومة و المتضررة.
١٢- على رأس أولويات اعادة بناء البنية التحتية يجب أن تولي الدولة أهمية قصوى لبناء شبكة قطارات سريعة تصل كل مناطق الوطن بعضها ببعض لتسهل عملية انتقال الأفراد و البضائع بين كل المناطق لان في هذا، غير المنافع الاقتصادية، منفعة كبرى في إعادة الاتصال و التفاعل بين السوريين.طبعا هذا ليس كل سئ، هذه مجرد نقاط رئيسية من دونها لا تفاءل بإعادة التلاحم المجتمعي. ارجو ان اكون قد قدمت جوابا على سؤالك اخي عبد الباري.