محمد بلال العطار- خاص باتحاد الديمقراطيين السوريين

يتهم الناشطون اليوم الرئيس التركي أردوغان والسياسة التركية بالكذب والمواربة وحتى الخداع والتماهي بالسياسة الروسية وبالنهاية تكون تركيا كدولة وأردغان كرئيس سبباً في ضياع الكثير من المدن والقرى السورية المحررة وسبباً بقتل المدنيين وتهجيرهم .
علماً أن الرئيس التركي أظهر منذ بداية الثورة السورية وانتهاج العصابة الحاكمة الحل الأمني والقتل طريقاً لاجتثاث الثورة ، وأظهر التعاطف مع الشعب السوري وذلك لأسباب عدة فيما أرى
1- كون سوريا بلداً مجاوراً وقد تؤثر تداعيات ما يجري فيها على تركيا
2- كون تركيا تحوي الفسيفساء السكانية المكونة لنسيج المجتمع السوري في الغالب
3- كونه بدأ بتحسين العلاقات بين تركيا وسوريا وحصد نتائج اقتصادية جيدة كان يطمح باستمرارها وزيادة مردودها
4 – كون أردغان ذا منشئ أخواني يعتبر وحدة البلاد الإسلامية أساساً وهدفاً
5- كون تركيا تحولت لبلد صناعي تعتبر سوريا والبلاد العربية سوقاً مستقبلية لمنتجاتها .
وكان جاداً ومنفعلاً وصرّح بنبرة عالية ومطالب وصلت إلى حد التهديد أحياناً، مطالباً بوقف القتل والتهجير عندما صرح بأنه لن يسمح بحماة ثانية، ولن يسمح بأن يتحاوز عدد المهجّرين الأربعين ألفاً، ومثلها كثير
ولكن عندما اصطدم اردغان بواقع الملف السوري ومن يُحركة ومَنْ النافذُ ومن المنفذ فيه، هدأ أردغان وتراجع للوراء خطوة أو خطوات، وأخذ تنهيدة طويلة وهو يبحث عن منافذ يدخل من خلالها إلى غرفة التحريك أو ساحات التنفيذ للملف السوري، وكان يفشل تارة ويتراآى له النجاح تارةً آخر،
هذا ما جعله يتحول من التهديد والوعيد إلى الطلبات والطروحات من أمريكا أو روسيا وأخذ يدق الأبواب المغلقة ويطرح طروحات أقل بكثير مما كان يقرره تصريحاً على التلفزة في خطاباته، ففي 2013 طرح على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إنشاء منطقة آمنه، لكنه لم يحصل على شيئ، مما جعله يتحول إلى التفاهمات مع روسيا، ولم يجد قبولاً أكثر من الذي وجده في واشنطن، مما فرض عليه اللعب ببراغماتيه يلعب خلالها بين أمريكا وروسيا، مستغلاً الخلافات التكتيكية بسياسة البلدين (فهما متفقتان استراتيجياً في هذه المنطقة )و له محاولات شتى مع أوربا أيضاً وكل ذلك لم يُفضِ إلى نتيجة واضحة، والخطوة الأولى التي استطاع أردغان أن يسجل فيها اختراقاً لنادي المنفذين هي دخوله منتدى ما سمي الضامنين (روسيا وايران وتركيا)، مع اختلاف المواقع فروسيا وايران ضامنين وداعمين ومنفذين لسياسة تهدف إلى إعادة بسط نفوذ سلطة العصابة الحاكمة في دمشق على كامل التراب السوري ومُنطلقات الطرفين روسيا وايران مصالحهما الذاتية على حساب الشعب السوري والطرف اللذان يدعمانه، أما تركيا فقد تبنت ضمان الفصائل الثورية المسلحة علماً أنها ليس لها يدٌ عند الجميع، ولا تستطيع فرض إرادتها على الجميع، وقد تغيرت منطلقاتها من التوسع الجغرافي والسوق الإقتصادية لمنتجاتها، إلى درئ الخطر المحدق بها بعد التطورات التي طرأت التدخل الروسي المباشر والدعم الأمريكي للكرد، هذا على المستوى الخارجي، أما على مستوى الداخل التركي فميل البعض من أكراد تركيا للإنضمام للأحزاب الكردية المناوئة لها، والمقاتلة في سوريا وانجذاب كثيرين من علويي تركيا للتدخل في الأحداث الجارية لصالح العصابة الحاكمة في دمشق منطلقين من منطلق طائفي يجمعهم مع علويي سوريا في عدائهم للسنّة، متخذين موقفاً يتعارض مع موقف الحكومة التركية، إضافة لتغلغل الكثيرين من عناصر الفصائل المتطرفة داخل تركيا مما جعل الخوف يتسرب إلى القيادة التركية لعلمها أن أمريكا وأوربا غير راضين عنها مما قد يجعلهم يستثمرون هذه التناقضات داخل المجتمع التركي وتأليبه ضد نظام الحكم القائم، إضافةً لأحزاب المعارضة التركية التي ناصبته العداء منذ بداية حكمه، وكانت تركيا محقة بمخاوفها تلك، فقد تلقت أعتى أشكال الهجمات التي تستهدفها بانقلاب 2016 وهو إنقلاب أمريكي بامتياز، واشتغل به عدة قوى إقليمية كلها تدور في فلك أمريكا، ثم كان الهجوم الإقتصادي الذي أفقد الليرة التركية أكثر من 40% من قيمتها، وقد يكون هناك هجومات أخرى لا نعرفها،
وحتى نستطيع معرفة ما إذا كان أردغان قد خاننا أو غدر بنا، كان يجب معرفة بنود إتفاقيات سوتشي، وإذا توقفنا عند كلمتي خاننا أو غدر بنا نجد أن لهما تفاسير مختلفة وكل تفسير يُطلق حسب موقع القائم بالفعل، فأردغان بالنهاية ليس قائد الثورة السورية ولا مُتبنيها إنما هو رئيس تركيا والمسؤول أمام شعبه وبرلمانه عما استطاع تحقيقه لبلده، وبمّا فشل، وعلى هامش ما يحقق لبلده قد يكون للثورة والشعب السوري بعض الفائدة، لكن بنود إتفاقيات سوتشي وأستنا لم تعلن حتى الآن، ونستشف نقاطها نقطة من هنا وفكرة من هناك على أنها من بنود الإتفاق، بناء على ملامة طرف لآخر، وإن كنّا بفطرتنا نظن أن تلك الإتفاقيات لا تحقق أيّاً من أهداف الثورة والشعب السوري كوننا نعرف أن اليد العليا فيها لروسيا التي تكنّ للشعب السوري وللإسلام العداء الشديد، وتسعى لتثبيت دميتها على كرسي الحكم في قصر المهاجرين، قهراً للشعب ومعتقده،
ونأتي هنا إلى اللقاء الأخير في أنقرة الذي عقد أمس السبت بين خبراء عسكريين أتراك وروس والذي جاء على خلفية اعتداء قام به جيش العصابة على نقطة تركية وقتل فيها عسكرييّن وجرح آخرين مما أدى إلى ردٍّ تركي استهدف تجمعات العصابة في معسكراتها، والذي جعل نبرة أردغان ترتفع مهدداً بفتح معركة ضدّ جيش العصابة ومعطياً مهلة تصل حتى نهاية الشهر الجاري لانسحاب قوات العصابة إلى ما قبل النقاط التركية منوهاً أن هذا من نقاط إتفاقات أستنا، نفهم من نتائج الإجتماع الذي لم يتمخض عن شيئ إلا المتابعة خلال الأسبوع القادم أن المفاوضين الأتراك تشبثوا بالمطالب المعلنة في الإعلام وبالمقابل تهرب المفاوضون الروس من تنفيذ استحقاقات أستنا والمهلة للأسبوع القادم هي مهلة للعصابة لتنفيذ المخططات المرسومة بغية مفاوضة الأتراك على الأمر الواقع، ومن المؤكد أن تركيا تحاول في هذه الفترة استمالة الأوربيين الذين يخافون موجة لجوء جديدة تتمثل بمليون سوري رابضين على الحدود التركية، منتظرين الفرصة للزحف نحو أوربا، وأوربا تتمنى أن تجد سبيلاً لتأمينهم على أرضهم خوفاً من وصولهم لأراضيها، لكنها في الوقت نفسة لا تضمر الودّ لسياسات أردغان لذا تمتنع عن الدعم الجادّ لمواقفه وتفاوض تركيا الأمريكان أيضاً للحصول على الدعم للوقوف بوجه المخطط الروسي الإيراني لكن الأمريكان الذين أيدوا حق تركيا في حماية جنودها حسبما صرح وزير الخارجية الأمريكي، لكن دون أن يكوّنوا حلفاً أو شراكة مع تركيا، أو دون إعطاء التأييد اللازم لتركيا للوف بوجه روسيا وايران فأمريكا أيضاً لا تضمر الودّ لأردغان وسياساته وإلا لما كانت دعمت حزب العمال الكردستاني المصنف لديها أرهابيا والموضوع على لا ئحة الإرهاب والذي بدعمه تضمن أمريكا زعزعة أمن تركيا والمنطقة عندما تشاء، من هنا ترى أن تركيا بقيت وحيدة في وجه كلٍ من روسيا وايران ودميتهما القابعة في قصر المهاجرين، وليس معها أحد، من هنا ترى أن التردد كان سِمَةً ملازمة للسياسة التركية في الملف السوري، وإن كان الموقف اليوم يختلف عن الفترة السابقة فهي اليوم أصبحت تدافع عن مستقبل تركيا واستقرارها، لذا قد تكون الصورة اليوم مختلفة من حيث جدية تركيا في تنفيذ جزء من تهديداتها العسكرية حفاظاً على أمنها واستقرارها، وما تستطيع تحصيله تركيا يكون قد تحقق جزءً من أهداف الثورة على هامش المصالح التركية .