
عبدالوهاب بدرخان
ستأخذ “حكومة حزب الله” فرصتها، لا لأن الأمين العام لـ “الحزب” طلب إعطاءها فرصة “معقولة”، بل لأن أي بديل منها ليس متوفّراً، وقد لا يظهر حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون. لكن هل يستطيع البلد أن يصمد بوضعه الحالي مالياً واقتصادياً؟ لا الحكومة تعرف، ولا العهد، أما حسن نصرالله فيعرف أن انهيار الدولة يصبّ في مصلحته، أي مصلحة إيران و”الحزب” اللذين يتمتّعان في لبنان بوضعية “ربح – ربح”، إذ يستفيدان من أي انفراج ولو مستبعد ومن أي انهيار يبقى مرجّحاً. وعندما يقال اليوم أن النظام اللبناني تغيّر، فهذا يُترجم “انتصاراً” في قاموس “حزب الله”، وهو تغيير ظهر أولاً في زعزعة “اتفاق الطائف”، ويتجلّى الآن في تفكيك النظام المصرفي.
لا يمكن فهم مواقف نصرالله، في خطابه الأخير، إلّا بأخذها على عكس ظاهرها، فما يقصده غير ما يقوله. كيف؟ عندما يكرّر أن حكومة حسان دياب ليست “حكومة حزب الله” فإنه يؤكد ما ينفيه، فالنفي هنا موجّه الى الخارج لا لمحو هذه “الوصمة” بل ليقول إن الخارج يعرف أنها “حكومة حزب الله” فإذا ساعدها فـ “الحزب” يكسب وإذا لم يساعدها فالبلد ينهار و”الحزب” يكسب، والخلاصة أن الأجدى الاعتراف بهيمنته والتعامل معه مباشرة. هذا لن يحدث طبعاً. أما التعامل الخارجي مع هذه الحكومة فلن يكون بالمستوى “الإنقاذي” المؤمل به. أما “الجيّد/ السيّء” في كلام نصرالله فهو اعتباره تعيير الحكومة بنسبها الى حزبه تحريضاً عليها، لكنه يعترف بأنه يقدّم الى العرب والأميركيين والأوروبيين حكومة يعرف مسبقاً أنها ستفشل، تحديداً لأنها حكومته.
على رغم أزمته العميقة وكآبته الراسخة أظهر النظام الإيراني أنه لم يفقد تماماً روح الفكاهة، بدليل المزحة السوداء التي مثّلتها زيارة علي لاريجاني. قيل إنه عرض “مساعدة” إيران للبنان في أزمته، والواقع أن مجيئه من دمشق الى بيروت، بعد نيل الحكومة “الثقة”، يحمل طابع التوقيع على كونها حكومة الشراكة الإيرانية – الأسدية… ولو قيل للاريجاني فلتساعد إيران نفسها ما دامت قادرة، لكان جوابه أن إيران في أفضل أحوالها ولا تواجه أي مشكلة!
الدلائل كثيرة الى أن ما يقصده نصرالله غير ما يقوله بالنسبة الى لبنان والمنطقة. فهو يعرف مثلاً أن انقاذ لبنان يتطلّب مساعدة خليجية لكنه تعمّد اطلاق رسائله المعتادة المعادية للسعودية، ما يعني أولاً أنه حتى وهو يخادع لا يستطيع ضبط نفسه، وثانياً أنه غير مهتمّ فعلياً بنجاح حكومته أو فشلها… أما دعوته العراقيين لتولّي الانتقام من الاميركيين فهدفها نفي أن إيران كلّفت “حزب الله” بقيادة هذا الانتقام، وأما دعوته السخيفة الى مقاطعة البضائع الأميركية ردّاً على “صفقة القرن” فقد فسرّها قائده، قائد “الحرس الثوري” حسين سلامي، بقوله إن الظروف “غير مؤاتية حالياً للقضاء على إسرائيل”…