
تبدأ احتفالات الأكراد السوريين بعيد النوروز أو اليوم الجديد حسب ترجمته من الكردية إلى العربية يوم 20 آذار مساء، بإشعال النار على قمم الجبال أو أسطح المنازل أو حتى في شوارع القرى والمدن التي تقطنها أغلبية كردية، وفي صباح 21 آذار تخرج الجموع للاحتفال بالربيع أو رأس السنة الكردية إلى الطبيعة، فكانت الباصات والسيارات والشاحنات الكبيرة والصغيرة والجرارات الملحق بها عربات تتوجه إلى مكان الاحتفال محملة بالرجال والنساء والشبان والفتيات والأطفال المبتهجين بالعيد، إضافة إلى المشاة وركاب الدراجات النارية والهوائية، وفي أغلب الأحيان كانت هذه الاحتفالات تُواجَه بشكل متعجرف وغير ودي من قبل السلطات التي كانت تحاول منعها كل عام دون جدوى، فمن نصب الحواجز على الطرقات وإغلاقها في وجه الآليات والمشاة، إلى اعتقال البعض ممن يحتجون على هذه الممارسات كانت جموع المحتفلين تجد طرقاً جديدة دائماً للوصول إلى المكان المنشود، وهنا كانت السلطات بعد أن تعجز عن منع الاحتفال تكتفي بالمراقبة وممارسة شتى أنواع الإزعاج تجاه الناس، لا لسبب واضح، لكن هكذا هي التعليمات كما يردد رجال الأمن والشرطة المتواجدون في المكان.
وكانت الاحتفالات تنتهي باعتقال العديد من الشبان مثلما كانت تبدأ، أما ما قبل 21 آذار عام 1986، أي قبل قيام أكراد دمشق وغيرهم من الكُرد المقيمين في دمشق بمظاهرة أمام القصر الجمهوري تطالب بجعل يوم 21 آذار عطلة رسمية في سوريا إثر منعهم من الاحتفال ذلك اليوم، واستشهاد الشاب الكردي الجزراوي (سليمان آدي) متأثراً بالنيران التي فتحها الحرس الجمهوري على المتظاهرين يومها، ومن ثمَّ اضطرار النظام إلى إعلان يوم 21 آذار من كل عام عطلة رسمية ، لكن بمناسبة (عيد الأم !)، وهو عيد تم تغيير تاريخه الحقيقي من 13 أيار إلى هذا اليوم 21 آذار عام 1957، فكانت العقوبات وقتها ـ أي ما قبل نوروز 1986 ـ تطالُ التلاميذ والطلاب والمدرّسين والعمال والموظفين والعساكر المجندين في اليوم التالي في حال غيابهم عن الدوام يوم 21 آذار، أي في حال توجههم للاحتفال، ويا ويلك من ظلام ليلك إذا دعوت أحداً من أصدقائك من خارج منطقتك إلى الاحتفال، فهذه الحالة كانت تُكافَح بشدة من قبل السلطات، لأن الحواجز كانت تقام قبل يومين من حلول عيد نوروز على حدود المناطق ذات الأغلبية الكردية، وكان رجال الأمن يدققون في هويات كل الركاب سواء في الباصات أو السيارات أو الشاحنات، ومَنْ كانت بطاقته الشخصية تدل على أنه من منطقة أخرى لا يُسمح له بالدخول إلا لسبب وجيه جداً ومقنع، كأَنْ يثبت أنه يعمل في هذه المنطقة، أو أنَّه جاء في هذا التوقيت بالذات لسبب آخر غير الاحتفال، أو فإنه سينزل من الحافلة ليعود من حيث أتى في أحسن الأحوال.
وإذا كان الكُرد في سوريا يقيمون احتفالاتهم رغماً عن السلطات في النهاية، فإن الكُرد في تركيا لم يكونوا ليستطيعوا فعل ذلك في ظل نظام أتاتورك العنصري، وأذكرُ في احتفالات مدينتي الدرباسية التي تقع على الحدود التركية أن أكراد تركيا من على أسطح بيوتهم كانوا يعكسون لنا عبر المرايا الصغيرة شعاع الشمس، فكان الشعاع ينعكس على عيوننا للحظة لندرك أنهم بصمتٍ يشاركوننا الاحتفال، فأن تتكلم أو تغني بالكردية في ذلك الوقت في تركيا يعني أنك ستدخل السجن، إلى أن سمحت السلطات التركية باللغة الكردية بعد حلول الألفية الثانية من عمر التاريخ الميلادي للبشرية!
المهم أن نوروز هذا العام كمهرجان أو كرنفال شعبي لن يقام، فالجميع يلتزمون المكوث في البيوت، وما عجزت عن منعه سلطات النظام السوري طيلة أكثر من أربعين عاماً منعته فيروسات كورونا هذا العام!
بروكار برس