عبد الوهاب بدر خان

عبدالوهاب بدرخان

في السباق الى اكتشاف دواء جديد لفيروس “كورونا”/ “كوفيد – 19” حصلت وتحصل اكتشافات كثيرة لا علاقة مباشرة لها بالوباءً، ومن أهمها ضعف الثقة أو انعدامها بين الحكومات والشعوب حتى في دول غير مأزومة، منها أيضاً انكشاف قصور القطاع الصحّي تمويلاً وتجهيزاً في دول قادرة فكيف بدول متعثّرة أصلاً، ومنها كذلك مقاربات حكومية صريحة أو مبطّنة لمعالجة كبار السن كأنها “جهد ضائع”، ومنها أخيراً (وليس آخراً) أن الوقاية بالحجر المنزلي مع حظر أمني للتجوّل تعرّض تحرم اجتماعية واسعة من إمكانات العيش لأن فيروس الفقر يقتل أيضاً.
في الحال اللبنانية كان الوباء مستشرياً قبل الوباء زمن، متمثّلاً بمنظومة الفساد السياسي والمالي، ولم يكن “كورونا” سوى إضافة قاسية وغير متوقّعة، ليصبح مجرّد العيش أشبه بصدفة، أو قل بمعجزة. عمّمت تلك المنظومة ثقافة انحرافات عشوائية ما لبثت – بإساءاتها لشرعية الدولة وانتهاكاتها للقوانين وعبثها بالنفايات والكهرباء ومن ثمّ بالهندسات المالية/ الإفلاسية – أن بدّدت كل ثقة في حكم وحكومة، في أمن وأمان، وفي “مقاومة” غدت عدواً للشعب موازياً للعدو الإسرائيلي الذي قاتلته فعلاً ثم التفتت الى تأمين بقائها بالسيطرة على الدولة… وقبل زمن من وصول “كورونا” كان اللبناني دخل مرحلة ارتياب في كلّ ماء أو مأكل أو هواء.
لم يعد مفيداً تلاوم الأطراف اللبنانية حول أي طائفة أو منطقة أدخلت الوباء الى البلد، لأنه “عالمي” ومتوقّع – كما يشدّد اعلام النظام السوري على التذكير، لتأكيد أن النظام للمرة الأولى في تاريخه ليس مصدراً للأذى. غير أن أطراف الحكم اللبناني في صدد تصنيع وباء محلي خاص سيصيب في يوم واحد وفي موجة واحدة مئات آلاف الأشخاص ضارباً مستقبلهم وجنى أعمارهم بفيروس الـ “كابيتال كونترول”. هذه المرّة لن يكون فيروس الفساد صامتاً غير مرئي أو يصعب رصده، بل ان الدولة ستسنّ قانوناً يجيز لها الاقتطاع من الودائع، أي أنها قررت أخيراً مدّ يدها جهاراً نهاراً الى أموال مواطنين ومقيمين وثقوا بالنظام المالي والمصرفي. ها هي أطراف الحكم تتواطأ على نحر هذا النظام بعدما نحرت الدولة والنظام السياسي.
كما التخبّط في مواجهة جائحة “كورونا”، يبدو التخبط في مواجهة الإفلاس الفعلي للدولة أشدّ وأدهى. ثمة سرقة توشك أن تحصل ولا تدري “العصابة” كيف تمرّرها، بشرعية قانونية أو بإلقاء الجرم على المصرف المركزي. هناك أطراف فيها يقدمون اعتراضاتهم على أنها مهتمة بحقوق المودعين، وهي في الواقع منشغلة بتخفيف الضرر على مخدومي “العصابة” وعلى مكاسبها. وفي الجدل يتحدّثون عن “ضوابط”، أين؟ في القانون. مَن سينفّذ القانون؟ هم. مَن يثق بهم؟ لا أحد، وبالطبع لا ثقة في ما بينهم. أي الوبائين أكثر فتكاً، لـ “كورونا” علاج ولو تأخر، أما الأزمة المالية فتنتقل من قعر الى قعر وليس معلوماً بعد كيف ستُعالج.

النهار….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *