هدى أبو حلاوة
كاتبة وشاعرة سورية

لم تحظ زيارة وزير الدفاع الروسي شويغو لدمشق مؤخراً بالاهتمام الكافي، وسط انشغال السوريين بتفشي وباء كورونا، رغم أهمية ما حملته (شكلا ومضمونا) من دلالات ومؤشرات. إذ كان الهدف الأول للزيارة إطلاع الأسد على نتائج المفاوضات التركية – الروسية التي جرت في الآونة الأخيرة حول طاولة المفاوضات وفي ساحة العمليات العسكرية.

ويمكن اختصار هذه النتائج بالقول إن المفاوضات رسمت نهائياً وبضمانة روسية حدود النفوذ التركي أفقياً ورأسياً، فحددت النطاق الجغرافي التركي لهذا النفوذ حيث يتكرر الرقم الذهبي 30 كم مرة أخرى وتكرس الدوريات التركية الروسية المشتركة كلاً من الحدود والضمانة، أما رأسياً فيمكن القول إن سلطة إدارة شمال غرب سوريا قد فوضت إلى الأتراك أسوة بالمناطق الأخرى مثل نبع السلام وغصن الزيتون.

لم تعد الصورة ضبابية حيال الممارسات التركيّة في الشمال السوري، إذ بدأت ملامح التفويض الإداري الممنوح لتركيا في تلك المنطقة بالتبلور بشكل عملي، عبر تزويد تركيا لمنطقة إدلب بالكهرباء والذي سيعمم لاحقاً على كل المناطق المناطة إدارتها بتركيا والتي تمخضت عن الاتفاقيات المعقودة، وسيتبع ذلك الكثير من الإجراءات ( التعليمية – الثقافية- الصحية – الأمنية – العسكرية )، وستتعهد الأطراف المتفقة سابقاً وعلى رأسها الولايات المتحدة بإنجاح وتفعيل المؤسسات الإدارية عبر تقديم دعم مادي لتركيا، وذلك لترسيخ الدور التركي في مناطق سيطرته، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لتوفيره عبر حلفائها.

ويتمثل الهدف الثاني للزيارة في ضمان التزام النظام بالاتفاق مقابل قيام تركيا ووكلاؤها بالقضاء على التنظيمات الإرهابية، ويتوقع هنا منح فيلق الشام الإخواني، وهو جزء رئيسي من الجيش الوطني، دور عسكري وأمني مهم ضمن إدارة تركية – إخوانية مشتركة.

في الجانب الآخر (شرق الفرات) حيث انتهى البعد العسكري الميداني ضمن تفاهمات سابقة، نلاحظ من جهة سعي أمريكي لإيجاد نوع من التفاهم بين تركيا وقسد، كما أعلن الرئيس ترامب. بينما يسعى الروس لتسهيل التفاهم بين قسد والنظام.

لا شكّ أن كل التغيرات السابقة في الأحداث الميدانية والسياسية ستفضي حتمياً إلى تغيير في خارطة المعارضة السورية، ولن نفاجأ غداً إذا أصبحت قسد جزءاً من العملية السياسية وجرى تحويل مدينة القامشلي إلى محافظة بالتنسيق مع النظام ما يلبي الرغبات القومية للسكان الكرد ضمن حدودها ( اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب التركية والعربية والتعليم والإعلام والمناسبات الرسمية والاجتماعية)، ما يهيئ لإلغاء الفيتو التركي على مشاركة مجلس سوريا الديمقراطي “مسد” في مؤسسات المعارضة السورية، ودخوله هيئة التفاوض السورية من الباب العالي لا من زقاقات القاهرة.

يحاول الثنائي الروسي -التركي ضمنياً استبعاد شريكه الإيراني الذي رافقه بكافة جولات أستانا، وتجلى تقليص الدور الإيراني في المنطقة عبر الاتفاق الروسي التركي الأخير، ثم عبر القمة الرباعية الافتراضية، التي ساهمت بدورها في إزعاج إيران، خصوصا أمام العقوبات الأمريكية عليها، ولكن ذلك لم يمنع إيران من إصرارها على دور فاعل في سوريا عبر ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري والمعروف بأنه رجل إيران في سوريا، وتعد الفرقة الرابعة والفروع الأمنية التابعة لها ( المخابرات الجوية وفروعها ) أدواته الأساسية في تمكين قبضته الأمنية و فرض سيطرته العسكرية وخصوصا في الجنوب السوري، وقد استولت قوات تابعة للفرقة الرابعة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن مؤخراً، مستغلة إغلاق المعبر لأسباب صحية، مع غض نظر روسي، تعويضاً لإيران مما حرمت منه في الشمال السوري ما سينعكس تدهوراً في ظروف معيشة سكان الجنوب بسبب أعمال البطش والسلب والنهب التي تنافس انتشار الوباء هناك.

يوشك تنفيذ اتفاق سوتشي على الاكتمال، ليجسد إلى جانب الاتفاقين السابقين صورة جديدة لاتفاق أضنة الذي تم بين تركيا وسوريا عام 1988م تتجه نحو (أضنة موسع) بزيادة عمق الأراضي من 5 كم إلى 30 كم مثلما أتفق عليه شرق الفرات لتكون منطقة آمنة بطول الحدود التركية البالغة 900 كم وبإشراف تركي.

بروكار برس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *