هذا ما كانت عليه المرأة السورية أيام الاحتلال الفرنسي، نضال وتحدٍّ لم يهدأ حتى اضطر المستعمر بكل قوته وجبروته إلى الخروج من بلادنا ببسالة الشهداء والمناضلين نساءً ورجال، فجاء الجلاء فرحة للجميع.
الأيام السورية؛ كفاح زعتري

كما هي سنة الحياة بأن المرأة شريكة الرجل في صنع الحياة، هي المرأة السورية شريكة الرجل في صنع التاريخ السوري الحديث، وفي صنع البطولات والمعجزات في سبيل الحرية والكرامة والسيادة الوطنية، فقد كان لها دوراً رئيسياً وبارزاً في مقارعة الاستعمار والمشاركة بشكل فاعل في معارك الثورات السورية المتلاحقة التي ساهمت أخيراً بجلاء آخر جندي فرنسي عن تراب سوريا.
المرأة السورية مشاركة في ميسلون

في اللحظة التي قرر فيها البطل يوسف العظمة قتال الفرنسيين وعدم الإذعان لإنذار غورو ورفضه تسليم دمشق دون مقاومة وخروجه لملاقاة الفرنسيين في ميسلون، شاركت النساء في تلك المعركة، وكان منهن السيدة زينب الغزاوي التي استشهدت في معركة ميسلون، ونازك العابد التي ذهبت متنكرة في زيّ رجل، ورشيدة الزيبق التي امتطت الجواد وساهمت في أكثر من معركة، واعتقلت أكثر من مرّة، وكذلك أيضاً فاطمة بنت كبكب، وأم سعيد عواد.
مظاهرات نسوية ضد الاحتلال الفرنسي
كما شاركت في المظاهرات التي خرجت منددة ورافضة لهذا الاحتلال في كل أرجاء البلاد. وشهدت دمشق أول تظاهرة نسائية هتفت بسقوط الاحتلال، مما دفع قوات الاحتلال لإطلاق النار عليهن، فأُصيبت بعضهن بجروح، وقد استغلّت العديد من النساء لباسهن التقليدي الذي ساعدهن في إخفاء الرسائل والسلاح، وكذلك في نقل المؤونة والعتاد الخفيف إلى ثوار دمشق وغوطتيها، واستشهدت كثيرات منهن أثناء أدائهن لتلك المهام مثل سلمى بنت محمد ديب قرقوره التي استشهدت في معركة الصالحية بدمشق، ونايفه خلف الجابر التي استشهدت وأم عبده التي كانت تساعد الثوار وتنقل لهم السلاح والقنابل في سلال الفاكهة.
وفي ثورة جبل الزاوية لا يمكن أن ننسى المجاهدة زكية هنانو، التي كرست حياتها في سبيل أهداف شقيقها إبراهيم هنانو والمبادئ التي ناضل من أجلها، وتبرعت بثروتها وأملاكها لصالح الثورة الوطنية.
شاركت المرأة السورية في جميع مراحل الصراع ضد المستعمر الفرنسي منذ بداية الاحتلال وحتى الجلاء، وقد برزت مناضلات اشتهرن بمقارعة المستعمرين في كل المحافظات السورية في دمشق وحمص وحماة وحلب وإدلب والقلمون… كن يتقدمن العديد من المظاهرات ويحرضن على المقاومة ويشكلن الجمعيات والمنتديات النسائية للدفاع عن حقوق الشعب والوطن في الحرية والاستقلال.
بطولات المرأة السورية في الثورة السورية الكبرى
ويذكر التاريخ بطولات السيدة زهيرة شكير من قرى الغوطة التي ناضلت مع الثوار، وساهمت في جميع أشكال المقاومة واستشهدت في معارك الغوطة.
وفي ثورة جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش، بلغ عدد الشهيدات في جبل العرب ومعاركه خمساً وتسعين شهيدة سطرن أروع ملاحم البطولة، وبرزت نساء أسهمن في مساعدة الثورة والثوار أمثال بستان شلغين التي كانت تُعدُّ الزاد للثوار، وعندما نفذت مدّخراتها النقدية، باعت مصاغها لتشتري بثمنه طحيناً للثوار الجائعين.
وشمّا أبو عاصي، التي خاطبت الثوار الذين تجمعوا في ساحة قرية نجران لتناول الطعام: “من يريد أن يقاتل المستعمرين فليتقدم ويأكل من طعامنا، ومن لا يريد القتال فليخرج من هنا، فهو لا يستحق أن يأكل” هذه الكلمات أثارت حماسة الرجال، وانطلق الجميع وشاركوا في معركة المزرعة.
وفي الثورة التي قادها صالح العلي، شاركت النساء بشجاعة في القتال، وبرز من بينهن زوجته (حبّابه) التي شاركت معه في خوض المعارك الوطنية، حيث كانت تملأ له البندقية، وترمي الأعداء بالرصاص، كما اشتهرت رنده الملقبة بالفارس الملثم، والتي رفضت أن تُزف إلى خطيبها قبل أن يزف إلى بني قومه بشرى الانتصار على الغزاة. وبعد أن استشهد تابعت خوض المعارك حتى سقطت شهيدة الوطن.

وفي ثورة جبل الزاوية لا يمكن أن ننسى المجاهدة زكية هنانو، التي كرست حياتها في سبيل أهداف شقيقها إبراهيم هنانو والمبادئ التي ناضل من أجلها، وتبرعت بثروتها وأملاكها لصالح الثورة الوطنية، وآثرت أن تبقى دون زواج لتسهر على خدمة شقيقها، وتأمين راحته، وعندما اختفى شقيقها من وجه الفرنسيين بقصد إشعال نار الثورة في عام 1925، كانت تجتمع سراً مع الشخصيات الوطنية البارزة، وكانت همزة الوصل بينه وبينهم، وتقوم بالدعايات الوطنية وتترأس المظاهرات النسائية، وعندما سجن شقيقها، كانت تنقل إليه الأخبار بواسطة المراسلات التي كانت تضعها في طعامه الخاص، وقد رافقته بعد انتهاء الثورة إلى آخر حياته.
وفي حماة، فقد كانت المرأة تشارك في المظاهرات الاحتجاجية، وتسير خلف مواكب الشهداء وتشارك في إسعاف الجرحى، ومن المجاهدات نذكر نجيبة الأرمنازي والسيدة أم عبد الله الشواف وطالبات حماة اللواتي كن في دار المعلمات الدمشقية.
كما استُشهد العديد من النساء في مناطق عدة أمثال عزيزة خير بك من وادي العيون، وفاطمة الرحّال، وخديجة بنت صالح مريود، ومريم بنت إبراهيم، ومريم بنت مخول الفحيلي في جباتا الخشب جنوب سورية.
المرأة السورية، تمتلك قوة في الشخصية ووعياً كاملاً لدورها في النضال، لم تقل يوماً عن الرجل في استعدادها للتضحية من أجل بلدها، فسطرت بذلك أروع آيات البطولة وأكدت أن السوريات هن نساء خنساوات مقاومات مناضلات تاريخهن حافل بالتحدي والانتصارات.
كما اتجه نضال النساء أيضاً إلى تشكيل فرق الطوارئ والإسعاف، ففي العام 1945 حين قصف المستعمر الفرنسي مدينة دمشق، ومنع التجول، خرجت النساء من بيوتهن، وطُفنَ الشوارع من أجل إسعاف الجرحى، وتقديم المساعدات لعائلاتهم.
النساء السوريات صنعن المعجزات
ولأن النساء السوريات أخذنَ على عاتقهن صنع المعجزات لإيصال قضايا وطنهم المحتل من الفرنسيين إلى أكبر عدد ممكن من دول العالم، فقد تم تنظيم المؤتمر النسائي الشرقي الأول في دمشق عام 1930، ونشرت العديد من الصحف السورية والعربية الصادرة في ذلك الزمان ومنها صحيفة “مصر الحديثة المصورة” صوراً عن هذا المؤتمر الهام والفريد من نوعه والذي يدل على تطور الفكر والوعي لدى المرأة السورية، الأمر الذي جعلها تتفرد بتنظيم مؤتمر خاص بالنساء على مستوى الشرق أجمع.
المرأة السورية أكدت عبر تاريخها الطويل أنها تمتلك قوة في الشخصية ووعياً كاملاً لدورها في النضال، هي قمة في الوطنية لم تقل يوماً عن الرجل في استعدادها للتضحية من أجل بلدها فسطرت بذلك أروع آيات البطولة وأكدت أن السوريات هن نساء خنساوات مقاومات مناضلات تاريخهن حافل بالتحدي والانتصارات…
هذا ما كانت عليه المرأة السورية أيام الاحتلال الفرنسي، نضال وتحدٍّ لم يهدأ حتى اضطر المستعمر بكل قوته وجبروته إلى الخروج من بلادنا ببسالة الشهداء والمناضلين نساءً ورجال، فجاء الجلاء فرحة للجميع.

الأيام السورية