
راجت معلوماتٌ عن رغبة إسرائيل في التخلّي عن الرئيس الأسد، قبل انقضاء سنة 2020، و عمّن سيحلّ مكانه، و عن بلد إقامته؛ ما حمل المراقبين على البحث في هاتين الفرضيتين:
1ـ حقيقة الخلاف الإسرائيليّ ـ الإيرانيّ.
2ـ تغيُّر المزاج الغربيّ تجاه إسرائيل.
فذهبت طائفة إلى القول بأنّ الدور الإسرائيليّ بات هامشيًا، و هناك تغيُّر في المزاج الغربيّ تجاهها لصالح إيران، كبديل أقلة تكلفة، و أمضى سلاحًا، ولاسيما بعد الذي قامت به في إجهاض رغبة شعوب المنطقة في التغيير ضمن موجة الربيع العربي، و أنّ تحالفات إيران الإقليمية خلال 40 عامًا من الثورة قد تبدّلت؛ ما جعل حسن نصر الله يتجرّأ على تحذير نتنياهو: ” لا تخطئ التقدير وتأخذ المنطقة إلى حرب أو مواجهة كبرى”.
و هم يستندون في ذلك على عدد من المتغيّرات، التي لوحظت في السلوك الغربيّ تجاه إسرائيل:
1ـ إدراك الغرب عظم فاتورة تبنّيها، مقابل نتائج هزيلة، و بأنّها باتت حجر عثرة في علاقته مع شعوب المنطقة، حتى أنّ أمنَها بات مهدّدًا من جماعات ترى في الدعم الغربي لها، الحبلَ السريّ الذي تتغذى منه.
2ـ الغزل بين إيران و إدارة أوباما؛ ما جعل الوزير كيري ” عرّاب الاتفاق النووي ” يحتفي بصلته مع اللوبي الإيراني، بقدر الحب الذي يحمله لابنته الوحيدة، فانيسا، المتزوجة من الطبيب الإيراني بهروز براين ناهد.
3ـ الغزل بين إيران و عدد من العواصم الغربية، في عدد من الملفات، في المقدمة منها ملفات المنطقة العربية.
4ـ تغيّر المزاج نحوها في مراكز صناعة القرار الأمريكيّ، و غير بعيد عن ذلك دعوة عميدة صحفيي البيت الابيض، هيلين توماس، في: 27/ 5/ 2010، الإسرائيليين لمغادرة فلسطين والعودة الى ديارهم، في ألمانيا وبولندا.
5ـ تغيّر المزاج الأوربي و فتوره نحو المسؤولين الإسرائيليين، فما حصل لنتنياهو، أمام منزل رئيسة الوزراء تيريزا ماي، في: 7/ 2/ 2017، و ما حصل له في: 2/ 12/ 2019، بعد اعتذار بريطانيا عن استقباله لأسباب وصفت باللوجستية، و رفض ماكرون و ميركل عقد لقاءات معه، على هامش قمة الناتو، أمرٌ لا تخطئه العين.
6ـ خيبة أمل نتنياهو في الحصول على وقفة مسؤولة من الدول الأوربية تجاه إيران، التي يجب عليها أن تسير على نهج ترمب في فرض عقوبات جديدة عليها بعد اختبارها صاروخًا بالستيًا، في الوقت الذي لم تبدِ الوزيرة ماي أكثر من استعدادها لمناقشة المسائل المتعلقة بإيران؛ الأمر الذي جعله يخاطب الزعماء الأوربيين في: 5/ 7/ 2018، برسالة شديدة اللهجة: ” أناشد الزعماء الأوروبيين، أن يكفوا عن تمويل النظام الإرهابي، الذي يمارس الإرهاب ضدكم على أرضكم، كفى لسياسة الاسترضاء والضعف حيال إيران “.
7ـ قيام نتنياهو برفض تزويد بريطانيا و أسبانيا بأجهزة تنفس في ظلّ جائحة كرونا، على الرغم من إلحاح وزيري خارجية البلدين، لإتمام الصفقة مع المصنع المنتج في إسرائيل، التي أبرمت قبل إصدار الأمر بحظر التصدير.
جملة من العوامل، في الصدارة منها هذه الأمور السبعة، جعلت إسرائيل تتوجس خوفًا من ترشيح إيران للقيام بأدوار كانت تناط بها في المنطقة؛ فسعت لتكوين تحالف ضدها، تكون هي رأس حربته، إلى جانب ثمانٍ من دول الإقليم، بمساندة إدارة ترامب، ثمّ بوتين، و حتى بالاستفادة من الرغبة التركية في إبعاد طهران عن الملف السوريّ.
وهو التحالف الذي يرى المراقبون أنّه يواجه تحديات أبرزها عدم اتفاق تلك الدول على مصادر التهديد الذي يواجهها، فبينما السعودية و الإمارات و البحرين و مصر، ترى في إيران خطرًا كبيرًا يجب مواجهته بكل السبل، ترى الدول الأخرى: قطر و عُمَان و الأردن و الكويت، خلاف ذلك.
هذا إلى جانب تنامي المخاوف من تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، و الخشية من انتقالها إلى خارج الأراضي السورية، فتواجه الدول العربية مأزقًا غير مضمون النتائج، فضلًا على أنّ ذلك لا ينسجم مع الموقف من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
إنّ الشعارات التي حملتها سنة 1979، حينما كانت الحماسة طاغية في إيران، كان المشهد يخفي خلفه صورة أخرى يجري ترتيبها خلف الكواليس، ولاسيما بعد نشوب الحرب مع العراق، ففي تلك الآونة ظهرت إسرائيل على الخط، كشرٍّ لا بد منه لحل إشكالية التسليح لدى إيران، فبدأ التعاون بأكثر الأشياء إلحاحًا، فتدفقت قطع غيار الطائرات المقاتلة F4 من تل أبيب إلى طهران، حتى أوقفها الرئيس كارتر، لتستأنف ثانية في عهد ريغان.
بعد انتهاء حرب الثماني سنوات من دون منتصر، رجع آيات الله الحاكمون في إيران إلى نقطة البداية التي انطلقت منها شعاراتهم، فأعيدت اللافتات القديمة إلى واجهة المظاهرات من جديد؛ شعار” الموت لإسرائيل ” هذه المرة له من الهواجس والمخاوف الأمنية ما يبرره، فإسرائيل التسعينيات تختلف عن إسرائيل الثمانينيات، و إسرائيل ما بعد الربيع العربي، ليست كما قبله، و الأنظمة العربية هي الأخرى لم تعد بتلك الفاعلية و الضرورة لها.
الأيام السورية