عبد الوهاب بدر خان

يفيد بعض التحليلات، استناداً الى الواقع كما يتشكّل لا إلى اتفاقات مبرمة، بأن الاميركيين والإيرانيين أرسوا نوعاً من “التسوية” بينهم في العراق. عناصر عدّة تؤيّد هذا التوجّه: إعادة انتشار القوات الاميركية وتموضعها بما يشبه “انسحاباً” تصرّ عليه إيران وميليشياتها العراقية، ثم انحسار التوتّر الذي رافق الهجمات الصاروخية على قواعد عسكرية يتمركز فيها عسكريون اميركيون، لكن الحدث الأبرز رضوخ طهران لانتقال مصطفى الكاظمي من رئاسة جهاز المخابرات الى رئاسة الحكومة على رغم أنها وأتباعها وصفوه دائماً بـ “رجل اميركا”. وفي السياق، عادت الدولتان الى تفاهمات سابقة، مع بعض التنقيح، فإيران وافقت على أن يكون تنظيم العلاقة العراقية – الأميركية شأناً بين دولة ودولة وليس بين دولة وميليشيات، وقبِلت الولايات المتحدة واقع النفوذ الإيراني في العراق على أن تتولّى حكومة بغداد معالجة عسكرته المفرطة في إطار تنظيم العلاقة مع إيران كذلك بين دولة ودولة.
إذا أريد اسقاط هذه المعطيات على لبنان، يمكن افتراض أن “حزب الله” ينتظر إما “تسوية” مماثلة تنعكس على لبنان وإذا تعذّرت يتوقّع تغاضي واشنطن عن أن حكومة حسان دياب هي “حكومته” لتتعامل معها بحكم الأمر الواقع، تجنّباً لانهيار الدولة والاقتصاد. غير أن الحسابات تختلف بين البلدين، حتى مع وجود تشابهات. ففي العراق ضُربت إيران مباشرةً بتآكل نفوذها في البيئة الشيعية كما أظهرت الانتفاضة الشعبية، وضُربت أيضاً باغتيال قاسم سليماني، فضلاً عن تعاظم الخلافات بين أتباعها، وهي خلافات أساسها الحفاظ على دويلاتهم أقوى من الدولة، غير أن الدولة استطاعت أن تبقى الخيار الأوحد والأسلم لجميع العراقيين. أما في لبنان فربطت إيران وجود “حزب الله” أولاً بصراعها مع إسرائيل بهدف استدراج اعتراف أميركي بنفوذها في المنطقة، ثم ربطته بمصير النظام السوري الذي دخل الآن أسوأ مراحل احتضاره متخبّطاً بين جرائمه وبين العقوبات الاميركية.
لذلك تبدو أي تسوية يتوقّعها “حزب الله” ويتمنّاها أكثر تعقيداً. لن تستطيع إيران أن تتحصّل له على اعتراف أميركي ولو ضمني بإدارته للنظام والدولة اللبنانيين، فلا “الحزب” ولا إيران يملكان ما يقدّمانه لأميركا لقاء اعتراف كهذا. عليهما، إذاً، أن يتنازلا إلا إذا كانا يجدان مصلحةً في لعب ورقة انهيار لبنان، ليلتقيا مع الجانب الأميركي الذي أبدى دائماً حرصه على منع الانهيار لكنه صار يتقبّله: “إذا أراده حزب الله، فليكن”… ومن أقوى علامات الانهيار أن تكون الدولة سرقت أموال مواطنيها، وأن تكون هناك حكومة لا تثق بها الجهات الممولة لأنها “حكومة حزب الله” لذا تجدها مربكة بخياراتها لـ “انقاذ البلد” وهمها انقاذ نفسها. لم تعد هناك فائدة ترجى من هذه الحكومة ولا من أي حكومة بديلة طالما أن “حزب الله” مستحوذ على الدولة ولا يريد أن يتنحّى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *