
في الوقت الذي انكمشتْ فيه الدول على نفسها، عقب جائحة كرونا، التي يذهب جلُّ المراقبين إلى أنّ العالم بعدها سيكون بوجه آخر، بدءًا من إعادة الهيكلة العالمية، على حدّ قول الرئيس أردوغان، و مرورًا بالأزمة الاقتصادية التي تذكرنا بما آل إليه العالم بعد أزمتي: 1929، و 2008م، و كانت أولى بوادرها أزمة هبوط أسعار النفط، يوم الثلاثاء: 22/ 4، إلى مستويات قياسية، لم يشهدها العالم من قبل.
نجد الملفّ السوريّ يشهد تحركات غير متوقّعة، جعلت المراقبين ينظرون إليه كحدث مفصليّ يُسابقُ جائحةَ كرونا، لا يحتمل التأجيل إلى ما بعدها.
فقد صرح البيت الأبيض، أن الرئيسين ترامب و أردوغان، تناولا في اتصال جرى بينهما مساء يوم الأحد: 19/ 4، عددًا من القضايا الإقليمية و الدولية ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين، في مقدمتها الملف السوريّ.
و بعد يوم من تهديده النظام بدفع الثمن غاليًا، و بعدم التسامح مع المنظمات المُظلمة التي تقوم بأعمال استفزازية لإفشال اتفاق إدلب، يقوم الرئيس أردوغان بالتحدّث مع نظيره بوتين، يوم الثلاثاء: 21/ 4، حول تنفيذ بنوده.
في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الدفاع التركية، أنها تراقب عن كثب بالتنسيق مع روسيا سيرَه، الذي أشارت وزارة الدفاع الروسية، السبت: 18/ 4 ، إلى أنّه صامدٌ.
و ذلك قبيل مباحثات ثلاثية بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران، عن طريق الدائرة التلفزيونية، يوم الاربعاء: 22/ 4، تطرقت حسب بيان الخارجية الإيرانية إلى آخر التطورات في إدلب و إلى الدستور السوري، و ضرورة فصل الإرهابيين عن المعارضة، و أكّدت على أن عملية أستانا هي الأهم والأكثر تأثيرًا لحل الأزمة السورية.
تلك المباحثات التي أعقبتْ زيارة للوزير ظريف إلى دمشق، لم يعلن عنها مسبقًا، كسر فيها الحظر المفروض على سفر المسؤولين الإيرانيين بسبب كرونا؛ للقاء الرئيس الأسد، يوم الاثنين: 20/ 4، في زيارة وصفت بالمهمة و المصيرية، حسب تصريحات لمسؤولين إيرانيين، ذكر من جملة الأسباب التي أدت إليها:
1ـ أنّ خليفة قاسم سليماني، الجنرال إسماعيل قآني، لم يعد يحظى بالأهمية التي كانت لسلفه، و بأنه قد فشل في لقاء الرئيس الأسد، خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، التي تذرّعت بعدم وجود تنسيق سابق بين الجانبين بشأن اللقاء، في حين أنّ سليماني، الذي كانت تجمعه علاقة شخصية مع الأسد كان يلتقي به من دون موعد سابق، و هو الأمر الذي أثار تخوفًا في طهران من أن يكون دورها في سورية قد تضاءل، و أنّ الأسد ربما خضع لضغوط الاتفاقات الروسية – التركية، التي تحاول حذف التأثير الإيراني من المعادلة.
2ـ رغبة طهران في الاستفسار بشأن العلاقات السورية ـ الخليجية، بعد التقارير التي أشارت إلى تقارب سوري – إماراتي، حيث شدد ظريف على أنّ أي حوار سوري ـ خليجي، أو حتى سوري ـ عربي، يجب أن يقوم على مبدأ ” وحدة جبهة المقاومة “، وأنه يجب على السوريين إفهام الخليجيين أن أزمات المنطقة ” سلّة واحدة “، ويجب حلها جميعها بالتزامن، وأنه لا إمكانية لحلّ الخلاف الخليجي ـ السوري بمعزل عن إيران.
3ـ لائحة الشكاوى التي قدّمها الرئيس الأسد إلى ظريف، تمثَّلت في تراجع دعم طهران له إلى الحد الأدنى، في حين أن سورية تمرّ بظروف حساسة، وتحتاج إلى بعض السلع و البضائع الضرورية، فضلًا على المساعدات المالية و العتاد العسكري، و أنّ الوجود العسكري الإيراني في سورية بات يستجلب تصادمًا مستمرًا مع إسرائيل، و أنّ الصواريخ الدفاعية التي تُطلقها القوات السورية للتصدي للغارات الإسرائيلية التي تستهدف القوات الإيرانية وحلفاءها مكلفة، ولاسيّما أنّ موسكو لا تساعد في هذا الأمر، وتعتبر نفسها غير معنيّة بذلك.
4ـ تأكيد الأسد على أن الأولوية الحالية بالنسبة إلى بلاده هي حل الأزمة الداخلية لا الصراع مع إسرائيل، وأن الشعارات التي يطلقها بعض المسؤولين الإيرانيين وحلفاء طهران حول قتال إسرائيل، انطلاقًا من سورية يُحرج الحكومة السورية، و يعرّضها لمخاطر تجد نفسها في غنى عنها، و بأنه وفق الاتفاقيات، فإن حلفاء إيران في سورية يجب أن يكونوا تحت إمرة القوات السورية، في حين أنهم بدأوا في الآونة الأخيرة التصرف على هواهم، بل ويعدون أنفسهم قادة على الضباط والجنود السوريين، وقد أدى ذلك إلى صدامات عسكرية، أغضبته شخصيًا.
و قد أكّدت المصادر المطلعة على أن الوزير ظريف كان مدهوشًا ممّا سمعه من الرئيس الأسد، و أنّه قد نقل هذا الموقف ” المختلف نوعيًا ” إلى القيادة الإيرانية، و هو الأمر الذي باتَتْ طهران تتحسّب له، و تخشى أن يكون تمهيدًا لإخراجها من الملف السوريّ، بالاتفاق بين الأطراف الأخرى المتدخِّلة فيه، بالتفاهم مع الأمريكان، ولاسيّما أن الجميع باتَ يعدّ الأيام قبيل دخول قانون قيصر حيز التنفيذ منتصف شهر حزيران القادم.
مثلما أكّدت على أنّ تزامن الغارات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في بادية تدمر، مع زيارة ظريف، ليس أمرًا عاديًا، وهو لم يحدث سابقًا، وهو يؤشر إلى جملة رسائل تريد الأطراف المناوئة لطهران أن توصلها عبر إسرائيل.
ماري للأبحاث و الدراسات