بروكار برس ـ برلين
بين زحمة الأخبار التي تناولت محاكمة “رسلان ـ غريب” الضابطين السابقين في استخبارات النظام السوري، تحت تهمة ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، نشر حساب يحمل اسم قيادي سابق في فصيل “جيش الإسلام” منشورا يتحدّث فيه عن براءته وبطلان التّهم التي أحالته محتجزا لدى السلطات الفرنسية، بتهم تتعلّق بارتكاب الفصيل انتهاكات وجرائم في سوريا من بينها الإعدام دون محاكمة، وذلك في إطار قضية أخرى منفصلة عن محاكمة “رسلان ـ غريب”.
قضيّة المتحدّث السابق باسم فصيل “جيش الإسلام”، مجدي نعمة المعروف باسم “إسلام علوش”، تعود إلى الواجهة من بوابة “فيسبوك رمضان”، حيث نشر حساب يحمل اسم القيادي ذاته، تهنئة بحلول الشهر، طالباً من جمهوره الدعاء له للخلاص من تهمة باطلة على حدّ تعبيره.
وذكر الحساب: أكتب لكم من قلب محب، ومن مكان أنا فيه الآن بتهمة كيدية، يعلم الله وكل الشرفاء أنّي بريء منها. وزاد عازفا على وتر العاطفة: “راجيا منكم الدعاء لي بالفرج في هذا الشهر الفضيل، وأنا لم ولن أنساكم من دعائي علّ الله يستجيب لأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب”.
ويشير ما ذكره الحساب، إلى أنّه مكتوب من مكان الاحتجاز، فيما لم يتسنَ لـ بروكار برس معرفة حقيقته، ورغم مراسلته على تطبيق مسنجر، إلّا أنّه امتنع عن الرد.
واللافت أن توقيت المنشور جاء في وقت عقدت فيه أول محاكمة لضابطين في استخبارات النظام السوري، ضمن مبدأ الولاية القضائية العالمية التي تسمح بمحاكمة مرتكبي الانتهاكات، وهو ما عمل عليه حقوقيون سوريون لتحقيق العدالة عبر رفع دعاوى قضائية تقدّم بها “الضحايا الشهود”.
ولا جديد في قضية نعمة، سوى أنّه لا يزال خلف القضبان في فرنسا، على أن تبدأ محاكمته في فترة تتراوح بين 6 ـ و12 شهرا، إذ أفاد الصحفي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، المعتصم الكيلاني لـ بروكار برس، أنّ نعمة لا يزال قيد التحقيق حتى الآن.
وعن المنشور رجّح الكيلاني أن يكون هناك من يدير الحساب من خارج السجن. ومعلوم أنّ نعمة كان نشطا على حسابه في منصّة تويتر قبل اعتقاله ومنذ ذلك الحين لم يحدّث الحساب بأي تغريدة.
اعتقال نعمة
في التاسع والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، ألقت السلطات الفرنسية القبض على نعمة في مرسيليا، حيث وجّهت إلى الفصيل الذي كان قياديا فيه اتّهامات بارتكاب جرائم عدّة من بينها وفق المركز السوري، إعدام بدون محاكمة، وخطف وتعذيب ممنهج ضدّ الرجال والأطفال والنساء، واستهداف الأشخاص المتّهمين بالتواطؤ مع النظام السوري، وأولئك الذين لا يطبّقون الشريعة الإسلامية، وما إلى ذلك من التهم.
غير أن أبرز الاتّهامات هي اختطاف وإخفاء الناشطة رزان زيتونة وزوجها واثنين من أصدقائهم في دوما.
وكالقابعين في قفص الاتهام الألماني في كوبلنز، كان نعمة ضابطا في قوات النظام، قبل أن يصبح منشقاً عنه، لكنّه سرعان ما تحوّل إلى قيادي بارز في فصيل “جيش الإسلام” وصار متحدّثا رسميا باسمه.
وبرز اسم “رزان زيتونة” منذ بداية الثورة الشعبية السورية عام 2011، كواحدة من أهم النشطاء في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات، وحصلت في عام 2011 على جائزة “آنا بوليتكوفيسكايا” من جمعية “RAW in WAR” البريطانية بسبب تقاريرها عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في سوريا، إضافة إلى ذلك، اختارها البرلمان الأوروبي في ذات العام للفوز بجائزة ساخاروف لحرية الفكر.
واقتحم عناصر يُعتقد أنهم من “جيش الإسلام” في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر 2013، مكتب “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” واختطفوا رزان زيتونة، ومعها وائل حمادة وسميرة خليل وناظم حمادي، وهو ما أكّده مصدر مطّلع لـ بروكار برس، أفاد بأن نعمة اعترف بتهمة قتل زيتونة ورفاقها ومن ثم دفنهم، وهو ما نفاه المركز السوري، قبل أن يواجه الموقع هجوما واسعا آنذاك، استغلّه إعلام النظام الذي ردّ عليه بروكار برس.
ومع الغموض حيال ما يجري في غرف التحقيق مع نعمة، تتوارد معلومات تفيد بأنّ مجموعة حقوقيين سوريين يعملون بقوة لجمع الشهود الضحايا، لإحقاق العدالة في موضوع نعمة وكل من تتاح محاكمته في أوربا، وهو ما أوضحه المحامي ميشال شماس في اتصال هاتفي مع بروكار برس.
ولفت شماس وهو من ضمن مجموعة محامين عاملين على هذه القضايا، إلى أنّ سير التحقيق مع نعمة غامض حتى الآن، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنّ ما جرى مع رزان ورفاقها هو المحرّك الأساسي للقضية المرفوعة ضدّ نعمة.
وعن تفسير المنشور “العاطفي” الصادر من حساب يحمل اسم نعمة، لم يستبعد شماس أن يكون الحساب فعلا لنعمة، أمّا غايته فهي العزف على وتر العاطفة، لتحشيد التأييد له، مستفيدا من انتقاد سوريين كثر لمحاكمة رسلان لأنّه على حدّ زعمهم “منشق عن النظام”، وهو ما ناقشه بروكار برس في مواد سابقة.
وفي إفادة سابقة بخصوص محاكمة رسلان الجارية، قال مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، لـ بروكار برس إنّ المحاكمات الأوروبية حل بديل للعدالة المنشودة، معتبرا أنّ المحاكمات التي تحصل اليوم في أوروبا سواء في ألمانيا، فرنسا، النرويج السويد والنمسا هي ليست العدالة التي ينشدها السوريين، وإنما واحدة من الطرق البديلة لأننا غير قادين على إحداث العدالة الانتقالية في سوريا، التي تحتاج إلى انتقال سياسي وهذا غير موجود حاليا في سوريا، بسبب عدم وجود مسار وطني للعدالة الانتقالية، ولاستحالة تحويل الملف الى محكمة الجنايات الدولية لأن سوريا غير موقعة على معاهدة روما، وللفيتو الروسي الصيني الذي يعرقل القرار في مجلس الأمن.
وبحسب درويش فإن الاختصاص العالمي للمحاكم الأوروبية يعتبر وسيلة من وسائل الضغط، وأداة لإبقاء ملف العدالة والمحاسبة على الطاولة، “المسألة ليست للثأر من أي طرف أو أشخاص، بقدر ما هي خطوة باتجاه العدالة والدفع باتجاه المحاسبة”.
وتشير القضيّتان (رسلان ـ نعمة) إلى أنّ العمل الحقوقي الدؤوب لثلّة من السوريين في أماكن لجوئهم، يسير لتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات أيّاً كانوا، سواء من النظام أوالفصائل العسكرية.