
عندما يتلاوم السياسيون ويتبادلون الاتهامات ويصعب الدفاع عن أيٍّ منهم أو تفهّم وضعه ومواقفه، كما يتعذّر الأخذ بحجج من يتّهِمون لأنهم هم أنفسهم متَّهَمون، وحين يفقد الشعب ثقته في الجميع، في “كلّن_يعني_كلّن”، ويجد أنه لم يعد يملك سوى غضبه يفجّره في قطع الطرق وإحراق مصارف وفروعها… لا يكون ذلك كلّه سوى فوضى معبّرة عن واقع الانهيار. إذا كان الصراع مع فيروس “كورونا” بلغ ذروته وبدأ ينحسر فعلاً في لبنان، فإن وباء الأزمة المالية يواصل اندفاعه نحو الذروة وحين يبلغها يكون الإفلاس تجاوز اللحم الى العظم. فالبلد يعيش بلا أي موارد للمرّة الأولى منذ عقود، لكنه يشهد كل يوم معارك طاحنة بين الدولار والليرة، كما لو أن الوضع المالي أصبح محكوماً بجشع الصيارفة وقد تركوا في الواجهة لحرف الأنظار عن حقيقة أن مال الدولة كان نهباً لمنظومة حكم فاسدة لا تزال ناشطة. الواقع أن مَن يحكم لبنان في هذه الحقبة السوداء هو نفسه مَن يلعب بالدولار وبقوت الناس… وبالحكم والحكومة. كيف يعتمد الحُكم على المصرف المركزي للاستدانة وسد عجزه، وكيف يأتمن أهل الحُكم حاكمَ المصرف على أسرارهم وصفقاتهم “الخاصة” وموبقاتهم عبر المصارف، وكيف والحال هذه يُراد للحاكم ألا يلاعب المصارف بالفوائد الفلكية والأرباح الخيالية، طالما أن الدولة ودويلة “حزب الله” وأذرع النظام السوري تضغط عليه ليدير بالنيابة عنها استراتيجية فوضى مزمنة كانت توصف يوماً بأنها “فوضى منظّمة”، وبأنها اختراع لبناني يصعب تكراره أو استنساخه. ثم كيف يمكن أهل الحُكم أن يختاروا حاكم المصرف المركزي وحده “كبش فداء” إكراماً لـ “حزب الله” طالما أنهم يتوقعون ردّاً أميركياً شرساً لا يستطيعون تحمّله. أيّا يكن ما سيقوله رياض سلامة، رداً على استهدافه، ومع افتراض نزاهته لكن بحذرٍ وتحفّظ، لا يمكنه أن ينفي اختلاط الأمور لديه بين ما تقتضيه الأصول القانونية الصارمة لعمله وبين ألاعيب السياسة والمصالح (بعضٌ منها شخصي؟) التي غرق في مراعاتها. ليس مهمّاً مصير حاكم المصرف، يذهب أو يبقى، فرئيس الحكومة الذي استُخدم لمهاجمته قيل له قلّ فقال، من دون أن يعرف كيف يُوظَّف كلامه أو الى أين يمكن أن يقود. بل ان كلّ هذه القصة لم تعد ذات مغزى بعدما استُفزّ الشعب ليذهب الى العنف، الذي لا يحلّ أي أزمة بل يضاعفها، ولا يعود على الثائرين بأي مكسب بل يدفعهم الى مواجهة مع الجيش. فالمستفيد الوحيد معروف ولم يعدّ يتخفّى، استقوى على الدولة فاستولى عليها بتحالف جهنمي مع “التيار العوني”، أرهب ويرهب السياسيين والطوائف بالاغتيالات وفبركة الفتن، دمّر ويدمّر علاقات لبنان مع العرب والعالم، زعزع ويزعزع النظام الاقتصادي والمالي، اخترق ويخترق النظام الدفاعي والأمني. أصبح انقلاب “حزب الله” جاهزاً لفرض حكمه الناجز، لذا فهو يبدو كمن يمهّد لحرب أهلية.
اتحاد الديمقراطيين السوريين – عبد الوهاب بدر خان