
في الأسبوع الماضي، قُتل علي حمدان العساني، وهو شاب سوري في الثامنة عشرة من عمره، على يد شرطي في ولاية أضنة. وذلك ضمن التدابير المتخذة لمنع انتشار فيروس كورونا، بعد أن فرضت الحكومة حظر تجوّل على من هم دون العشرين عامًا. خرج الشاب “علي حمدان” إلى الشارع مضطرًا، لأن عليه أن يعمل، وحين رأى عناصر الشرطة التي تطبق الحظر؛ هرب منهم. ادعت بعض وكالات الأنباء، في البداية، أن الشاب “لم يستجب للنداءات التحذيرية”، ولذلك أطلق الشرطيّ النار صوب ساقه، لكن الصور أظهرت أن الإصابة كانت في القلب.
العنصر (ف. ك) الذي قتل “علي حمدان” أُوقف فورًا، وقال في إفادته إنه كان يرتدي القفازات، وإنه تعثر أثناء ملاحقته الشاب، فخرجت الرصاصة من المسدس، بالخطأ. لكن هذه الإفادة مثيرة للشك، وتفتح عددًا من الأسئلة: لماذا كان السلاح أصلًا في يد الشرطي؟! حتى إذا كان المسدس في يده، لماذا كان صمام الأمان مفتوحًا؟ ثم لماذا كان يركض ذلك الشرطي خلف “علي”، بكلّ هذا الإصرار، في أثناء تطبيق حظر التجول؟!
التنديدات بالحادثة أتت من رأس هرم الدولة أيضًا. وقد اتصل رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بوالد الشاب علي حمدان، وقدّم له التعازي، ووعد بأن الإجراءات اللازمة ستُتخذ.
عندما قرأتُ خبر مقتل الشاب “علي حمدان”، بدر إلى ذهني الولايات المتحدة الأميركية، حيث يقتل بعضُ عناصر الشرطة مواطنين سودًا بدمٍ بارد، من دون أن تكون هناك محاسبة. حزنتُ جدًا على مقتل “علي”، لكني حاولت إراحة نفسي بيقيني أن تركيا ليست كالولايات المتحدة، وبأن هذه الجريمة لن تمرّ دون محاسبة.
حقيقةً، إن الحكومة التركية التي تستضيف 3.6 مليون لاجئ سوري مسجل رسميًا، إضافة إلى غيرهم من اللاجئين، لا تغضّ النظر عن الجرائم الممارسة ضد اللاجئين. صحيح أن هنالك في بعض الأحيان هجمات عنيفة غاضبة، تشمل الضرب والتخريب والتهديد، إلا أنها قليلة، وتنتهي سريعًا، ولا تمرّ من دون متابعة ومحاسبة، مع العلم أن هنالك وثائق تثبت ضلوع أذرع المخابرات [السورية] بجزء كبير منها، ومع ذلك، ما تزال خطابات الكراهية ضد السوريين في تزايد.
في السابق أيضًا كان السوريون الذين لا يزالون يعيشون في ظروف صعبة هدفًا لخطابات الكراهية، ولكن تزايد نسبة تلك الخطابات يُقلق المهتمين بحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن بعض الأتراك كانوا معاديين لوجود السوريين، لأسباب مختلفة، منذ البداية، فإن معظم الشعب التركي رحّبوا بهم بكرم وإخاء، وكان لتشديد الحكومة على مبدأ “الأنصار والمهاجرين” أثرٌ كبير في ذلك.
مع مرور الوقت، أثار بروز أدوار الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية في سورية، وتصاعد وتيرة الإرهاب، وانعكاس الحرب على تركيا، مخاوف عدة بين الأتراك. وزاد الطينَ بلة أن الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية تزامنت مع الحرب السورية، واستمرت باستمرارها، ومن هنا، بدأت بعض الأحزاب المعارضة لأردوغان، ولحزب “العدالة والتنمية”، تطلق حملات تحريضية لأهداف سياسية داخلية، وتحولت هذه الحملات إلى وعود انتخابية. بعض هذه الأحزاب كانت تؤيد نظام الأسد منذ بدء الحرب، وكان لهذا الأمر دور في جعل بعض الأتراك غير المنزعجين من الوجود السوري يتأثرون.
إن الحملات التحريضية التي أطلقتها بعض المجموعات الإعلامية وشخصياتها حفّزت داعمي النظام السوري وعززت الكراهية ضد السوريين، على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث نُشرت أخبار مبالغ فيها عن عادات السوريين وسلوكاتهم، وعن المساعدات المقدّمة لهم، مع تضخيم واضح للحقائق يبلغ حد التزييف، واستُخدمت تلك الأخبار لتغيير الرأي العام، وكان لذلك دور في جعل أصوات الكارهين للعرب تعلو، ومن ثمّ صارت تُنسب الأخطاء والجرائم الفردية إلى السوريين جميعًا!
على سبيل المثال، في العام الماضي، على أثر تجمع بعض السوريين في ميدان تقسيم، أطلق معارضو أردوغان حملة تحريضية، أعقبها إطلاق وسم “لا نريد السوريين في بلادنا”، كما اتهموا السوريين بتهم غير محددة، وادعوا بأنهم يثيرون الشغب، وأنهم هاجموا فتاتين تركيتين، وأنهم لا يحاربون في بلادهم، وأنهم جاؤوا إلى تركيا للتنزه وتدخين النرجيلة!
على الرغم من كل الحملات التحريضية، لا يمكن تصنيف الجرائم بين السوريين والأتراك على أنها منهجية، المسألة عمومًا أن بعض الاستفزازات أسفرت عن حوادث فردية. مع العلم أن الحكومة التركية تدرك هذه المشكلات، وتعي أبعادها.
من الواضح أن استقرار اللاجئين السوريين بكثافة في أحياء معيّنة، وفتح متاجر فيها، كان أحد العوامل التي غيّرت الحياة اليومية للأتراك، إذ صاروا يشعرون بوجود تغيير ينال هوية تلك المناطق. وزاد اختلاف أنماط العيش من تعزيز تلك النظرة. إضافة إلى أن منح الجنسية التركية لقسم من السوريين كان من مصادر قلق الأتراك وانزعاجهم. والأهم من ذلك أن أنصار الأسد ومؤيدي منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وكل الذين يدعمون النظام لأسباب طائفية، كانوا يستهدفون السوريين منذ البداية، وقد أدى ذلك إلى انقسام وجدل خطير بين مكونات الشعب التركي.
منذ أن بدأت الاحتجاجات في سورية مع الربيع العربي، بدأ مؤيدو النظام ينشرون الفتن، واستمروا في ذلك حتى يومنا هذا، حيث إنهم يعملون على إظهار المعارضِين للنظام بصورة سيئة، ويسعون لوضع المعارضين وتنظيم (داعش) في كفة واحدة، وقد ساهمت دعايتهم في جعل أولئك الذين لا يعرفون سبب الحرب، ولا يتابعون الأخبار عن كثب، يميلون إلى النظام. إضافة إلى أنهم ما زالوا يسعون لتغذية عداء الشعب التركي ضد الشعب السوري الضيف، وخلق مشكلات ليصبحوا أعداء، كما يحرّضون -كلما وجدوا فرصة- الشعبَ السوري ضد الحكومة التركية.
اللاجئون السوريون بدورهم، على الرغم من المشاكل الكبيرة التي تواجههم، يتحملون جزءًا كبيرًا من العبء، وتقع على عاتقهم مسؤولية مواجهة الحملات التحريضية التي تحاول أن تنالهم وتزيد معاناتهم، بوعي وإدراك ومسؤولية. إن إضافة الحملات التحريضية إلى الصعوبات البيروقراطية واختلاف اللغة والثقافات ومشكلات التواصل، تجعل السوريين في مواجهة صعوبات كبيرة، ومن الواضح أن هذا النوع من حملات الكراهية والمواقف العنصرية يزيد شعور السوريين بانعدام أمنهم.
من ناحية أخرى، التطورات التي نتجت عن ترحيل من لا يملك وثيقة الحماية المؤقتة (الكيملك)، وضعت بعض السوريين في موقف صعب. غير أن خوفهم من عدم اكتراث الشرطة، في حال تعرضهم لجرائم مثل السرقة أو الاحتيال، ومن سوء وضعهم المادي، يحول دون اللجوء إلى الوسائل القانونية، عندما يتعرضون لاستغلال عن طريق تشغيلهم برواتب منخفضة وبأوقات إضافية.
الأطفال السوريون في المدارس التركية هم أيضًا لهم حظهم من المشكلات، كسوء معاملة بعض الأطفال الأتراك الذين هم تحت تأثير مواقف أسرهم، وكالتهميش من قبل معلميهم المتأثرين بالأسباب التي ذكرتها في الأعلى. ولا شك في أن هذا يضيف صدمات جديدة للأطفال السوريين الذين عاشوا المآسي في السابق. وإن أسوأ هذه الأحداث ما حدث العام الماضي، في ولاية قوجايلي، حينما أقدم طفل سوري على الانتحار، عند بوابة المقبرة، حادثة الانتحار هذه التي أغرقت العالم بالدموع كانت المثال الأكثر إيلامًا على ما يعانيه الأطفال السوريون.
وكما هي العادة دائمًا، فإن النساء هنّ أكثر من يدفع الثمن، حيث إن النساء اللواتي فقدن أزواجهن وآبائهن وعائلاتهن يواجهن أكبر المصاعب هنا أيضًا، كما في كل مكان في العالم. إن النتيجة الأكثر خطورة في مثل هذه الحالات هي التعرّض لسوء المعاملة، وهذا عامل من العوامل التي تجعل هؤلاء يسعون لتحقيق العدالة بأنفسهم، ولكن السوريين عمومًا يتعاملون بصبر، ولا يخطئون عندما يكونون على حق.
ما يبعث السرور هنا هو أن المشكلات التي نتحدث عنها لا تصل إلى نطاق واسع. بالطبع، لا يجب أن يصاب أو يؤذى أحد. النار تحرق مكان سقوطها [مثل تركي] لا توجد عبارة تطمئن من يواجه نتائج مؤلمة. ومع ذلك، فإن الجرائم الفردية هي حقائق اجتماعية، لا يمكن منعها في المجتمعات المتجانسة. عند التقييم، ينبغي أيضًا مراعاة عواقب تزايد عدد السكان بنسبة 5%. الوضع الحالي أفضل مما نعتقد، مع الأخذ بالاعتبار العديد من المتغيرات في الواقع الاقتصادي والثقافي والسياسي للبلد، من المياه والصرف الصحي والكهرباء وقدرات البنية التحتية.
على الرغم من كل الحملات التحريضية، لا يمكن تصنيف الجرائم بين السوريين والأتراك على أنها منهجية، المسألة عمومًا أن بعض الاستفزازات أسفرت عن حوادث فردية. مع العلم أن الحكومة التركية تدرك هذه المشكلات، وتعي أبعادها. يوجد في تركيا العديد من منظمات المجتمع المدني والأكاديميين والصحفيين والمواطنين الداعمين للسوريين في تركيا. باختصار، لا توجد مشكلة لا يمكننا أن نتغلب عليها، ما يجب علينا فعله الآن هو أعمق من أن نكون أنصارًا ومهاجرين، علينا أن نتعلم العيشَ معًا، وأن نُعلّم ذلك للآخرين.
حرمون